ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


من كلمات وأحاديث مع جرحى معركة القادسية

 

لاشك أنني شعرت بسعادة لا تقاربها سعادة في العالم ولا في الحياة كلها، وذلك لأنكم أصبحتم بهذه المعركة من أبطال التاريخ، ولأن هذه المعركة في معانيها العميقة أبعد بكثير من أن تكون معركة حدود، بل هي معركة الأمة العربية، والذين تطاولوا عليها واستخفوا بها يجهلون أن أرضنا هي أرض الرسالات، أرض العقيدة، ونحن الذين نشرناها في العالم. وإيماننا بأمتنا لا يتزعزع وبفضلكم تجددت الثقة لئلا تيأس الجماهير العربية بعد الصور المشوهة التي كانت تظهر لها من خلال الأنظمة العربية الفاسدة والمستسلمة، حيث كانت الأمة العربية بحاجة إلى من يجدد ثقتها وإيمانها بنفسها.

أنتم قمتم بهذا الدور الكبير، الروح باقية خالدة، روح الأبطال المسلمين الأوائل، روح خالد، روح عمر، روح المثنى باقية والإيمان يصنع المعجزة، وهذه المعارك التاريخية تظهر فيها قدرات لم تكن في الحسبان، هذه القدرات موجودة ولكنها لم تكن ظاهرة للعيان والأعداء لا يرون إلا ما يطفو على السطح، لذلك فان العملاء يتورطون للنيل من أرضنا وانتم أعطيتموهم الدرس اللازم.

هذه الروح العربية الرائعة التي تجسدت بانتصاراتنا هي نتيجة اجتماع الشجاعة مع الإيمان بالحق، وهذا هو حقنا ولا نريد أن نظلم أحد، وإنما نريد استرداد حقوقنا بروح العدل، ونحن مؤمنون بشجاعتكم وبأخلاقكم وبإخلاصكم، وطموحنا اكبر بكثير من هذه المعركة رغم انها معركة عظيمة وخالدة، وهي البداية لمعركة تحرير فلسطين التي تنتظركم، والتي هي قضيتنا المركزية.

الأمة العربية صاحبة رسالة عظيمة ستنشرها في العالم، وهذه طريقنا وعلينا أن نعبدها بالتضحيات، بالدماء لتحرير الأرض، وتحرير الإنسان، وتحرير الأمة، كل ذلك يعود لدور رسالتنا الإنساني، وهذا لا يأتي بالهين، والثمن باهظ، وانتم برهنتم إنكم أهل لهذه الرسالة، لهذه النهضة العربية الحديثة الأصيلة فأنتم اليوم تصنعون التاريخ العربي. الحمد لله أنكم زدتم ثقتنا بمستقبلنا، بمستقبل الأمة. لا شك أن هذه البطولات الرائعة لا يمكن أن تقهر وروحكم لا يمكن أن تخمد.

هذه الروح العربية الأصيلة مصدر اعتزازنا وفخرنا، لأنكم لم تخيبوا أملنا، بل زادت ثقتنا بالمبادئ التي تربيتم عليها، ولأن هذه المبادئ هي الكفيلة بتحقيق الانتصارات والنهضة العربية وكان العراق المجال الوحيد لتطبيقها التطبيق السليم، وليس كالنظام السوري المرتد الذي كانت مهمته أن يتآمر على المبادئ ويشوهها. وانتم كنتم المنفذون الأمناء لهذه الروح ولهذه المبادئ وأديتم خدمة كبيرة لان الجنود عندما يقتحمون الموت ويضحون بأرواحهم، برهان قاطع على أن المبادئ حية وليست ألفاظا فقط، وإنما هي روح وحياة، اعتزازنا كبير ببطولاتكم والطريق أمامكم ما زال طويلا ومعارك كبرى تنتظركم، وهذه خطوات على طريق تحرير فلسطين.

 

*****

لساننا عاجز عن تقدير ما تقدمونه من تضحيات، بارك الله فيكم وبهذا الشعب الطيب، يجزيكم الله خيرا عن الأمة العربية كلها، الفرص كثيرة أمامكم وكتبتم الآن صفحة خالدة هي بداية الطريق لنهضة الأمة العربية كلها إنشاء الله. إن الباطل أمده قصير وينهار أمام الأمة العربية لأنها تسير دوما في طريق الحق والعدل ولا تدخل إلا المعارك العادلة، وانتم رجعتم سيرة الأجداد، سيرة الأبطال الخالدين، وكنتم في مستوى أجدادنا العظام، نحن نعتز ونشعر باطمئنان على مستقبل الأمة العربية كلها.

بطولاتكم عظيمة جدا جاءت في وقتها، لان الأمة العربية كلها كانت في حالة من اليأس ومن الضياع، حزبنا، شعبنا في العراق، هم الذين أعادوا الأمل وجددوا الثقة والإيمان وذلك بفضلكم وبفضل تضحياتكم وإقدامكم، سنسترجع كل ذرة تراب، وهذه المعركة هي جزء من معركتكم الكبرى لتحرير فلسطين، تحرشهم فينا كان مفيدا، ليظهر جوهر هذه الأمة والأرض التي أنجبت صدام البطل التاريخي والتي لا يمكن أن تستسلم لأية قوة، لأي غاصب أثيم، البطولة التي ظهرت الآن تذكرنا ببطولات تاريخنا وانتم أبناء نفس الأرض، نفس الروح، نفس الشعب، نفس الحزب، وهذه ثورتنا ثورة الطبقات الكادحة، والبطولات تخرج دوما من طبقات الشعب، ولا حياة لأمة من الأمم إلا بتقديم التضحيات، وانتم مهدتم الطريق وهذا فضل كبير لشعبنا ولجيشنا العراقي الباسل ولحزبنا الذي حرك الروح الأصيلة الموجودة في كل عربي وبذلك نقضي على روح التخاذل التي كانت سائدة قبل هذه الحرب، والأمة العربية متجلية في هذا المشهد، في هذا الكلام، في هذه التضحية.

نحن نعيش في حلم، في ظرف تاريخي فوق مستوى الأحلام ولم نفاجأ ببطولاتكم هذه، ثقتنا بكم، إيماننا بكم، لان نصرنا حصل وتأكد ولا تستطيع قوة في العالم أن تغير ذرة منه، هذا النصر فرض نفسه على العالم، وكل تآمر الأعداء والدول الأجنبية لا يغير الحقيقة. النصر تحقق ببطولاتكم وبإيمانكم، والقيادة وانتم شيء واحد، وكلاكما متمم للآخر، القيادة أساسية دون شك، والقائد التاريخي الفذ أبو عدي نعمة السماء على الأمة العربية، فهو للأمة العربية كلها وانتم أبناء العروبة، أبناء العراق العظيم بدأتم الآن تحرير فلسطين من هذه المعركة، الأرض التي فيها كل مقدسات العروبة ليس غريبا عليها أن توجد شبابا وأبطالا مثلكم، هذه الأرض ليست غنية بالنفط فقط وإنما غنية أيضا بالروح، بالشباب، بالأخلاق العالية، بالهمم، بالشجاعة..

إنشاء الله هذه الروح ستشع على الوطن العربي وستحرك الأريحية العربية في كل بلد عربي، انتم قدوة وكل العرب لهم نفس الجوهر، نفس الأخلاق، نفس الطاقات، تملكون قيادة من نعم الله للحزب ولهذا القطر، وهذه بنيت بسنين طويلة حتى وصلنا لهذا النصر، وهذا البناء لم يأت بيوم ولا بشهر، جاء هذا النصر نتيجة سنين من التعب، من التربية، فأنتم ثمرة هذا التعب، هذه الجهود. رفعتم رأسنا عاليا، انتم لا تضيعون الفرص وفرص كثيرة تنتظركم.

 

*****

بارك الله فيكم، وبمعنوياتكم العالية، هذه المعنويات سنوزعها على الوطن العربي، والعالم كله معجب ومكبر لهذه البطولات، قمتم بأعظم واجب، كونوا مطمئنين بأن رفاقكم ينوبون عنكم الآن، فالجسم العربي واحد، بنفس الشجاعة وبنفس التفاني، وإنشاء الله أمامكم فرص كثيرة، والأمة العربية عندها معارك كثيرة، ولكن هذه المعركة هي برهان على معدن العروبة. إن الذي يتحدى ويظن أن العروبة شيء سطحي فهو واهم وجاهل إذ أننا برهنا أن العروبة هي العقيدة الروحية والأخلاقية، السماوية، لأنها نشأت من ارض العروبة، وهناك جماعة لا يفهمون إلا بالبرهان العنيف، هذا البرهان لم يكن لهم فقط بل للعالم أجمع، أعطينا البرهان عن نهضتنا العربية الحديثة التي هي من ذلك النبع، من ينبوع الرسالة الأولى. إنشاء الله تكونون في مصاف الأبطال الخالدين الذين يدرَّسون في كتب التاريخ..

قلوبنا معكم، ملأتم نفوسنا اعتزازا وأملا بالمستقبل، بطولاتكم هذه ستحيي الأمل عند كل عربي، كنا بحاجة لهذه اليقظة من الأجواء الانهزامية، والمعركة كانت ضرورية حيوية بالنسبة للعرب. معركتنا هذه ليست مع إيران وإنما معركة ضد اليأس والتخاذل، والحمد لله لأننا نرى هذه البطولات مجسدة بهذه الوجوه. قمتم بواجبكم خير قيام، هذه المعركة مقدمة لمعارك أهم ولو أنها معركة جدية بكل معنى الكلمة لكن هذه البداية لم نفاجأ بها لأنها ثمرة الثورة، هذا نتيجة تهيئة وتربية طويلة.. فالشجاعة والصفات الكريمة موجودة في كل عربي، لكن تحتاج إلى المربي، إلى القائد، إلى الذي يصنع الخطط، إلى العقل الكبير، وليس إلى العقول المتخلفة، فالقائد التاريخي والحمد الله موجود، وهذا دليل رضا رباني على امتنا، على أن يظهر مثل هذا القائد التاريخي وتكونوا انتم منفذين لهذا العمل التاريخي، معارك قادمة أيضا تنتظركم، معركة فلسطين بحاجة إلى كل العرب، بحاجة إلى هذه الروح العالية، الشجاعة النادرة.. انتم أجدر من يتقدم، انتم الطليعة والعرب يتبعونكم، إنشاء الله ستكون هناك انتصارات متتالية، نحن نعتز بشجاعة الجندي العراقي التي فاقت كل تصور، الحمد الله، فرض احترامه على العالم كله، هذا رأس مال الأمة العربية.

برهنتم أنكم جيش العقيدة، جيش مكتمل السلاح المادي والمعنوي، الكمال في الخبرة والكفاءة والروح والوعي لأبعاد المعركة، بأهدافها وبالأسس العادلة التي قامت عليها المعركة، وعندما يلم الجندي العراقي بكل هذه النواحي، تكون القوة كبيرة طبعا، ومن النادر أن تتحقق كل هذه النواحي لجيش مثل جيشكم على المستوى الفني الراقي، ومن النواحي المعنوية وهذا ما يبشرنا بأن معاركنا العربية المقبلة ستكون أكثر نجاحا وأكثر تقدما في الإعداد وفي النتائج إنشاء الله.

الآلام البسيطة تزول بفرحة النصر، النصر المؤزر، الجندي يشعر بفخر عندما يحقق نصر الأمة، نصر الوطن، حتى الأشياء التي يحققها لأمته يشعر بأنه يعمل شيئا للتاريخ، للمستقبل، وللأجيال السعيدة، لأبنائه وأحفاده ويرضي روح الأجداد، أيضا نفتخر بهذه الروح ونستبشر بالنصر الدائم، هذه الروح معروفة عندكم، الجيش العراقي، الشعب العراقي، لا نستغرب ذلك، إنشاء لله نتابع المسيرة وتحققوا آمال الأمة فيكم، عهد النهضة العربية بدأ الآن في انتصاركم.

 

*****

إن الأمة العربية كلها تنظر إليكم، انتم بدأتم مرحلة الانتصارات، وأعطيتم أروع الأمثلة في التضحيات والبطولات، وانتم مفخرة لنا وما قصرتم، وبهذه الروح سننتصر دوما، كلنا اعتزاز بهذه الانتصارات التي أدهشت العالم وهذا ليس بالكثير عليكم شباب العراق، يا شباب البعث، والعالم سيرى بطولات أكثر وأروع بإذن الله.

كتبتم صفحات مجيدة في تاريخنا العربي انتم أبناء الأجداد العظام، نفس النبتة ونفس التربة، الأشياء التي نقرأها في التاريخ انتم تعملون مثلها، نحن انتصرنا ليس فقط بالسلاح، بل بالمبادئ، بالحق، بالعدل، وبالأخلاق العالية. كان باستطاعتنا أن نفعل أكثر من هذا ولكن ليس لنا مطامع، بل حقوق نريد استردادها، الثورة العربية تعطي للعالم نموذجا جديدا بأن الحروب هي للمبادئ وليست للغزو وللتعدي وإنما لإحقاق الحق ولكي يسود العدل فنحن لا نضمر السوء لأحد وانتصاراتنا هذه ستفيد عدونا نفسه لأنه سيصحو من الأحلام ومن عقلية التخلف..

انتم أبطال وعملكم تاريخي، يجب أن تعتزوا فيه مثلما نعتز نحن به، رفعتم رأسنا أمام العالم.

بهذه الروح العالية المقدامة الشجاعة، يجب على العرب ان يتحلوا بهذه الروح لنسترد حقوقنا، أملنا كبير بشعبنا وبأمتنا.

نحن أملنا أوسع بكثير من الانتصارات في هذه الحرب العدوانية، معاركنا القومية ما زالت في بداية الطريق، ولكن أديتم الواجب وإخوانكم ينوبون عنكم، البطولة متوفرة للشعب العربي أكثر ما هي متوفرة لأي شعب في العالم وأمامكم فرص كثيرة، فرص البطولة، لان الظلم الذي وقع على العرب بهذا العصر هو اكبر ظلم، إذ لا توجد امة تكاثر عليها الظلم والتآمر مثل امتنا، لذلك مجال البطولة واسع جدا..

 

*****

لله يحييكم إنشاء الله دوما منتصرين، من العراق بدأت الانتصارات وستعم الوطن العربي وليس هناك تراجع بإذن الله، ونحن مؤمنون بان المسألة مسألة وقت وسيأتي هذا الوقت إنشاء الله من القادسية إلى القدس، النصر العربي بات قريبا، وفقكم الله وعافاكم.

بروحكم المعنوية العالية نستطيع أن نحافظ على استقلالنا ونسترد أراضينا المغتصبة كلها، بهذه الروح تواجهون روح الغطرسة والاستخفاف بالشعب العربي، روح الغرور بأنهم يريدون تلقيننا دروسا بالمبادئ، المبادئ التي أخذوها هم من شعبنا، من أجدادنا، فهذا منتهى الغرور. وهذا عاقبته وخيمة وهذا ما يرونه الآن. الروح الموجودة عندنا، لا توجد عند الفرس، فيما بعد سترون أن حزبكم وبلدكم سيكافئانكم خير مكافأة، انتم أسود وأشبال ليس لدينا ذرة شك في ذلك في انتصارنا على أعدائنا وعلى العملاء من السادات إلى الآخرين لأن شعبنا بأكمله لديه بطولات كامنة في العراق هيأتها القيادة وعرفت كيف تفجرها، وعندما نقضي على جميع الأنظمة العميلة نرى كل العرب مثلكم أبطالا.

كل هذه الآلام تزول، تنسى وتصبح ذكرى اعتزاز وشرف وأوسمة لان الوطن له علينا حقوق، ولكي نكون جديرين بالانتماء لامتنا يجب أن نتحلى بروح التضحية، الأمة بَنَتْ حضارتها في الماضي على روح الشهادة والآن تستعيد هذه الحضارة بروح الشهادة أيضا، وبروح الفداء، وانتم أبناء الأمة العربية تعيدون مجدها الآن، هذا واضح من تضحياتكم، وفى المستقبل ستكون بإذن الله أعظم من الحاضر ونحن بأوج السعادة وليس اكبر من هذه المكافأة أن نرى امتنا في عز، واكبر مكافأة للمناضل أن يرى شباب أمته اسودا وأبطالا.

الحزب مربي، لا يصنع البطولة وإنما يكشف عنها. البطولة عندكم والحزب يعطيكم الوعي، يعطيكم الأساليب لكي تظهروا فيها الشجاعة، أصلكم طيب من تربة العروبة الكريمة الأصيلة، تضمن للعرب أن يحققوا كل أهدافهم، هذه حقائق نلمسها بكل مقاتل منكم، نعتز بالروح البطولية العظيمة، إنشاء الله ستتابعون القتال في معارك الأمة العربية وتصلوا للقدس.

المعنويات العالية إلى لمسناها من الشباب المقاتلين، شيء نادر عظيم، حققتم أشياء عظيمه، وانتم في مقتبل العمر وإمامكم معارك كثيرة وعلى لسان الجميع أن هذه المعركة هي بداية معركة فلسطين. فبطولة الجيش العراقي مثال اعتزاز كل العرب، وبفضل شجاعته وروحه المعنوية العالية سنسترد كل أراضينا العربية.

الآلام مؤقتة ونزول بشعوركم إنكم أديتم واجبا عظيم، وعندما يقال أن العرب انتصروا في معركة مهمة. أتمنى لو استطيع أن احمل عنكم جزءا من الأتعاب او الآلام التي تعانون منها وهذا شرف ومصدر اعتزاز. ونحن فخورون بشبابنا المقاتلين الذين دخلوا معركة الشرف والكرامة، ليس بالسلاح فقط وإنما بالمبادئ أيضا، وكان النصر هو نصر المبادئ.

 

*****

انتم فخر الأمة وعملتم عملا كبيرا وكنتم أمناء بأداء الواجب وألان هم قلة من يؤدون الواجب، انتم في الطليعة في العراق التي ستحقق الروح الرسالية وتكون قدوة صالحة لكل الشباب العربي.

بفضلكم، بفضل القائد وبفضل جميع الرفاق في هذا القطر تحققت الانتصارات، فمعركتكم ليست معركة قطرية او حدودية أنها معركة أوسع من ذلك بكثير، معركة للأمة العربية، إن شاء الله معارك الأمة العربية كثيرة وهي دوما بحاجة لكم ولهذه الروح الشجاعة، لهذه المبدئية، هذا نعتبره تمرين لكنه خالد والعالم كله اعترف به والقيادة الحقيقية صفتها الأولى هي الثقة بالنفس والثقة بالشعب وبقدرات الشعب وهذه توفرت، ومزايا كثيرة تحلت بها قيادتكم التاريخية، لكن بقي الشرط الأول الذي برهن فيه الشعب على حسن ظن القيادة به الأمر الذي سيراه العالم وعدد أكثر من العرب.

بطولاتكم العظيمة ستكون أمثلة للأجيال القادمة، وللأجيال العربية، لأن الروح الجديدة بدأت تسري الآن بجسد الأمة العربية كلها نتيجة الانتصارات الرائعة وذلك بعدما كان هناك جو من اليأس والتخاذل بسبب سياسة بعض الحكام المعروفين. والآن أعاد العراق الأمل إلى العرب، وانتم القدوة وقبلة الأنظار والاعتزاز، ولم نكن مستغربين او متفاجئين فنحن ننتظر من شعبنا العربي في العراق مثل هذه البطولات، تعودنا عليها، وإنما كان بحاجة إلى العقل القيادي الكبير حتى تظهر هذه البطولات في مكانها الصحيح دون ان تتبعثر، والفضل لكم بهذه الروح، والفضل للقيادة وللقائد الذي جعل من الثورة مدرسة تربية وإعداد وتخطيط حكيم حتى يعطي الجندي العراقي، الجندي العربي ما يختزنه من شجاعة وإقدام واستعداد للتضحية ويكون راضيا عن نفسه بأنه عمل شيئا لامته، وهذا لم يضع سدى لان كثيرا من المعارك السابقة كانت التضحيات فيها تضيع سدى وكان المناضلون والمجاهدون يعودون بمرارة. هم قاموا بواجبهم على أكمل وجه وأكثر ولكن ما كانت هناك القيادة التي لديها علم ومعرفة بتوجيه المعركة، بتوجيه هذه الطاقات في الطريق الصحيح السليم، الحمد لله نحن في شروط ممتازة تبشر بمستقبل عظيم إن شاء الله.

حققتم نصرا كبيرا للعراق وللعرب كلهم هذا مدعاة فخر واعتزاز لنا، انتم تشعرون أنكم قمتم بالواجب، نتمنى لكم الشفاء والقيام ببطولات جديدة تحيي الشجاعة والبطولة، انتم أعدتم لنا الصفحات المجيدة من تاريخنا، ومن الآن تبدأ مرحلة الصعود التي لا يوجد فيها انتكاس ولا تراجع، إن شاء الله، ولكم شرف هذه البداية، هذه الروح التي نعهدها فيكم وهذا الكلام سمعته من الجميع، هذه الروح ستضمن لنا انتصارات كثيرة. نحن بألف خير طالما شعبنا يظهر جوهره العظيم الذي كان الآخرون يجهلونه، الآن العالم كله معجب بانتصاراته، بالروح العظيمة التي ترفع الرأس.

كلنا نرتاح عندما نرى الرفيق صدام هو منكم ومن هذه الأرض الطيبة، ومن هذا الشعب، انتم ترتاحون لأنكم ترون أنفسكم بوجهه، في مزاياه، الله يحفظه ويحميه آمين.

 

*****

أنعشتم آمالنا، الحمد لله كنتم عند ثقة الأمة فيكم، ثقة الشعب فيكم، والحمد لله انه حان الوقت لان يعطي العرب براهين في الإيمان وفي التضحية، في الشجاعة، في الأخلاق، تبين أن الإيمان واجب، الإيمان بصفنا وان الدعاء قائم. لم نستغرب شجاعتكم لأننا على علم بها، ولكنها أنعشت قلوبنا وملأتنا اعتزازا، كانت تنقصنا الفرصة فقط، الشجاعة موجودة، والإيمان موجود وعندما أتيحت لكم الفرصة أظهرتموها في حينها، في الوقت الذي انتم بحاجة إلى أن تعبروا عن هذه المزايا التي تعلمتموها في الجيش، في الحزب، والشعب العربي كله يرى أمامه مثلا حيا يرفع معنويات العرب كلهم. فانتم موضع اعتزاز الحزب والشعب والعرب كلهم. انتم طليعة الزحف لاسترداد فلسطين..

أديتم الواجب على أكمل شكل فالجرح وسام، الحمد لله أن جندنا رفعوا رؤوسنا،كتبوا صفحات تاريخية ستكون إن شاء الله بداية الانتصارات والى التحرير الكامل، الحزب يقوِّم تضحياتكم الكبيرة، كلنا نشعر بدين لأنكم قمتم بعمل عظيم للوطن والوطن لن ينسى ذلك، فانتم أبناءه الميامين، ولن يراودنا شك بان الشعب العراقي كان دوما يجسد الروح العربية، وبصورة خاصة قضية فلسطين التي كانت بالنسبة للعراق هي القضية الأولى. والنهضة العربية قائمة على العقل العلمي والفكر النير، وليس على الخرافات، الحمد لله أعطيتم البراهين الساطعة على إمكانيات النهضة العربية العظيمة وروحها وشجاعتها، الحمد لله أننا نفدي أرضنا دائما بأرواحنا، الوطن بخير والمعركة ظافرة والجيش منتصر، الآلام تنسى، لن تشعروا بالآلام وانتم تعيشون في جو الانتصارات التي حققتموها، هذه الآلام البسيطة تمر وتنسى وبطولات جيشنا خالدة.

نحي فيكم روح الشجاعة، انتم فخر أمتكم، انتم في العراق الطليعة التي ستحقق النصر، وستكونوا القدوة الصالحة والمحمسة لكل الشباب العرب في الأقطار الثانية، بفضل همتكم وبفضل القائد وصلنا لهذه النتائج، وقد مضت سنين طويلة حتى وصلتم، والآن بهرتم العالم، فانتم موضع اعتزاز العرب كلهم، فالمعركة ليست قطرية او حدودية إنها معركة أوسع من ذلك بكثير، هذه الروح عظيمة وموجودة في كل الرفاق فهم يتمنون نفس التمني، أديتم واجبكم على أكمل شكل، معارك الأمة العربية كثيرة ودوما بحاجة لكم ولهذه الروح الشجاعة المقدامة ولهذه المبدئية: هذا نعتبره تمرين أولي لكنه خالد والعالم اجمع اعترف به، وأول صفة بالقيادة الحقيقية هي الثقة بالأمة والثقة بالشعب وبقدرات الشعب وهذه توفرت فوق مزايا كثيرة تحلت به قيادتكم التاريخية وكان الشرط الأول أن الشعب برهن على حسن ظن القيادة به وان شاء الله أن ما سيراه العالم من العرب سيكون أروع وأكثر دوما.

بهذه الروح نستطيع المحافظة على استقلالنا ونسترد أراضينا المغتصبة. فالمعارك القادمة تنتظركم، معركة فلسطين بحاجة إلى كل العرب، والى هذه الروح العالية والشجاعة، وانتم أجدر من يتقدم، انتم الطليعة والعرب يتبعونكم، الحزب كله أصبح في العمل وفي الجهاد، كل فكره، كل تاريخه، الدوافع التي هيأت لنشوئه، كلها الآن متجمعة متلخصة ومتحققة في معركتنا المقدسة، وانتم تقومون الآن بدوركم ونحمد الله على أن تحقق حلم الأمة في معركة لم يتخلف عنها احد وهذا شيء تاريخي بأن تجاوبت مع ضمير كل الرفاق من هذا الشعب العظيم مع الأجيال العربية المناضلة في وطننا الكبير فهي معركة صادقة تلبي حاجة عميقة وتعبر عن قناعة الأمة وعن استعداد أصيل واختمار طويل بلغته عن طريق هذا البناء الذي بناه الحزب في العراق والذي كان بناءا جديا قائما على الإخلاص المطلق لقوميتنا ولأهداف امتنا ولرسالتها الإنسانية فجاءت المعركة كبرهان على جدية ذلك البناء وعلى أخلاص الذين رفعوه حجرا فوق حجر، وهذا كله يعزز إيماننا بالمستقبل وبأننا بلغنا مرحلة الانتصارات، إن شاء الله جهودكم مشكورة وانتم تجدون المكافأة بالعمل نفسه هي الشعور بلذة العمل الذي يرضي الضمير.

 

*****

الحزب نشأ بين الطلاب ويعتز بهذه النشأة ويذكرها دوما، ويعتبرها النشأة الثورية الصحيحة لان نهضة الأمة في العصر الحديث من الطبيعي أن تبدأ في الوسط الطلابي، الذي يضم العناصر الثورية الممتازة للعمل وللنضال، التي تجمع السن الشابة إلى الثقافة إلى التجرد عن المصلحة الخاصة والروح المتوثبة المتطلعة إلى النضال والى التضحية في سبيل القيم السامية، في سبيل الأهداف العظيمة التي يصنعها كل عربي لمستقبل أمته.

انطلق الحزب من الطلبة وتوسع بين جماهير الأمة، الجماهير الشعبية الأقرب إلى فكرته، إلى التجاوب مع طريقه وأهدافه، إلى الجماهير الكادحة، إلى الأوساط الشعبية التي كانت تعاني من الاستغلال، من القهر من الاستبداد، ولكن لم يكن الطلبة مرحلة مؤقتة في حياة الحزب، بل مرحلة دائمة، فالحزب يجدد شبابه دوما بالاعتماد الرئيسي على جماهير الطلبة في كل أجزاء الوطن العربي.

من المزايا العديدة التي يتصف بها الطلبة، أن تفكيرهم وإحساسهم لا تختلط به الأفكار بالمصالح الشخصية، او الأفكار المزيفة، لأنهم بفطرتهم يرفضونها، يرفضون الجبن والتقاعس والأنانية والنفعية ويطمحون دوما إلى ما فيه خير المجموع ويطمحون إلى المستقبل العظيم للأمة بكاملها وهم طليعتها، ويطمحون إلى أن يجددوا تاريخنا العظيم تاريخ امتنا المجيدة ولا يستعصون أمرا، هذه ميزة الشباب بأنه ليس لديهم أمرا صعبا، ولذلك يكون بينهم وبين الأعمال البطولية موعد وصلة، وجنودنا الأبطال في الجبهة هم الآن يجسدون هذه المزايا كلها، في حيويتهم الشابة المتدفقة وفي صهرها انصهارا يبلغ أرقى درجات السمو الإنساني عندما يصل إلى حد الاستشهاد، والآن الشهيد يخلَّد في ضمير الأمة وفي روحها وفي تاريخها، ويبلغ الحياة الحقيقية.

هذه الأيام ليست كالأيام العادية بالنسبة لكم شبابا وشابات، لها وزن خاص لها كثافة من المعاني ومن الملهمات ومن الحوافز، اليوم بسنة من هذه الأيام وهي ذخيرة لكم للمستقبل تعيشونها وتخرجون بمعانيها وتكسبون شيئا لا يقدر بثمن، شيئا ليس بالمادة وإنما هو بالروح والقيم، القيم السامية التي أتاحت هذه المعركة وأرجعت إلى الشعب جو النصر، ونحن نشعر وكأننا نعيش خارج الزمن الاعتيادي وكأننا نعيش في الخلود وفي تاريخ الأمة المجيدة، لم يعد بيننا وبين تاريخنا المجيد فواصل، رجعت الصلة الحقيقية صادقة بيننا وبين أجدادنا العظام الخالدين، اصحبنا نشعر أننا من دمهم، من ذريتهم، من روحهم، وأصبحنا نشعر أنهم راضون عنا وإنهم يعترفون بانتسابنا إليهم.

نتمنى لكم كل توفيق وان تكونوا دوما بمستوى البطولة والإعمال المجيدة فأمتكم بحاجة قاهرة، بحاجة ماسة إلى النهوض والى أن تعوض عن الزمن الضائع الذي تخلفت فيه، وهي بحاجة إلى الجهود الجبارة والتضحيات الجسيمة لكي تلحق بمستواها الأصيل، لكي تستأنف مستواها الحضاري الأصيل، العظيم، وتعود ثانية إلى مسرح التاريخ عودة مشرفة، فيها المجد وفيها العطاء للإنسانية كلها، بلغوا تحياتي لرفاقي المقاتلين جميعا..

7 نيسان 1982

(1) زيارة لمستشفى الرشيد العسكري في 7-4-1882.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس