ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


تجربة الجيش الشعبي تجسيد لحلم كبير

 

أيها الرفاق.. أيها البعثيون

 

ان هذه الروح التي تتجلى فيكم، روح الفداء، هي أساس روح البعث وحركة البعث، وأنتم الآن تجسدون على ارض الواقع حلما كبيرا وعزيزا راودنا ورافقنا منذ عشرات السنين، وشاء الله ان نراه بأعيننا متحققا وعلى أروع شكل.

أيها الرفاق

كان الرفيق القائد العام، يحدثني ونحن آتون الى المعسكر عن الدروس التي أفاد منها الحزب، خاصة دروس تجربة عام 1963، وتجربة الحرس القومي، حتى جاءت تجربة الجيش الشعبي بهذه المزايا العظيمة التي شهد بها الأصدقاء الأقربون والبعداء، شهد بها العالم بأنها من أروع التجارب وأنجحها، ذلك أيها الرفاق ان حركتنا هي حركة انبعاث أمة عظيمة مؤهلة لأن تستفيد من كل التجارب ومن كل الدروس ومن الأخطاء والسلبيات كما تستفيد وتقوى بالنجاحات والانتصارات، هذه الحركة بدأت كما تعلمون جميعا بأفراد قلائل، ومرت بظروف صعبة وتجارب عديدة، وها أنتم ترون هذه النتائج التي تفوق الأحلام في عظمتها وروعتها، هذه الملحمة الخالدة التي يخوضها العراق وجيش العراق وشعب العراق وأنتم طليعته، بشكل يحيي الآمال ويبعث الثقة بمستقبل الأمة وبنهوضها القريب لان أمتنا أمة واحدة، وما يتحقق في جزء منها لا شك انه قابل ان يتحقق في جميع أجزائها.

عندما استلم حزبكم السلطة في هذا القطر بعد ثورته المجيدة في السابع عشر من تموز، بعد استلام الحزب للسلطة كان من جملة ما يشغل بالنا ويسبب لنا بعض القلق هو أن الأجيال التي تدخل الحزب بعد استلام السلطة يكون قد فاتها ان تمر بتلك التجارب العسيرة المريرة في زمن النضال السري وفي العهود الرجعية وفي عهود القمع، وكنا نبحث دوما عن التدابير والعلاجات الفكرية والنفسية والعملية التي تشكل حرزا للبعثيين من مغريات وسهولات السلطة لكي يحتفظوا بنضاليتهم كاملة. والحقيقة بأن قدر هذا الحزب الذي هو قدر أمتنا العظيمة، أنه دوما يتقدم الى امام، ودوما يكشف عن جوهر وإمكانات وطاقات وفضائل أعظم من التي كشف عنها في المراحل السابقة، فأنا اعتقد بان الأجيال البعثية المناضلة التي كان لها سبق النضال خلال الأربعين سنة الماضية، تنظر اليكم بأنكم حققتم مثلها وأحلامها وتقدمتموها وسبقتموها، وأنكم لا تحتاجون ان تأسفوا على أنكم لم تعيشوا التجارب الماضية بل ان البعثيين السابقين، بعثيي المراحل السابقة هم الذين يغبطونكم على انكم وُجدتم في هذه المرحلة التاريخية النادرة التي تكتبون فيها لمدى قرون طويلة أمجادا خالدة لامتكم، ومن هنا ستنطلق النهضة العربية ويسري دمها وروحها المحببة الى سائر أعضاء الجسد العربي.

اذن أيها الرفاق، حزبكم، حزب البعث العربي الاشتراكي، يسير وفق قوانين الحياة الصحيحة الصحية، أي أنه يبدأ صغيرا ثم ينمو ويكبر وتتجلى مواهبه وطاقاته التي هي من مواهب الأمة والشعب وطاقاته، وانه يكبر باستمرار وان مستقبله أمامه لا وراءه، وهذا ما يطمئننا ويقوي أملنا في المستقبل بأن ما ينتظر الأمة العربية في مستقبلها هو أعظم حتى من هذه الأيام الخالدة وهذه الملاحم البطولية الرائعة التي تتم على أيدي الجيش العراقي الباسل وأيديكم. إذن، حزبكم قد تطور التطور السليم ومر بالتجارب واستفاد من الدروس حتى وصل الى هذه التجربة الموفقة في العراق، هذه التجربة التي تنمو ونشعر بان روح الله تباركها وتسري فيها لانها توفرت لها الشروط التي يندران تتوفر بتجربة ثورية، وهذا يعود الى صدق هذه الحركة الصادقة، حركة البعث التي حملت منذ أربعين عاما هذه الفكرة، هذا التصور العميق لكيفية انبعاث الأمة من جديد ولبناء المستقبل العظيم لهذه الأمة العظيمة، وأصرت على هذه الفكرة وعلى تحقيقها بهذه الصورة بعناد وبإيمان المؤمنين المجاهدين حتى كوفئت بالنجاح وبالنصر، وجاءت هذه التجربة وظهرت هذه القيادة وظهر القائد الذي يجمع ويلخص في شخصه، في شجاعته، في إيمانه، في عقله النير ما كان يحلم به حزب البعث منذ بدايته.

 

أيها الرفاق

ان شروطا نادرة و مزايا باهرة تجمعت لهذه التجربة ولهذه القيادة ولهذا القائد الفذ، ولكن اعتقد بان الشرط الأهم الذي كان مفقودا هو شرط الفكر النير، العقل الكبير، العقل الحديث الذي عندما يضاف الى الإيمان والى الشجاعة والى الإرادة التاريخية، يصنع المعجزات. فكان محكوما ان يحقق النصر تلو النصر على العدو الجاهل وان نبقى منتصرين لان ابرز صفة يتميز بها هذا العدو هي صفة الجهل، ولولا الجهل، لولا جهل العدو المغرق لما خفيت عنه حقائق لا يجوز لأي كان في هذا العصر ان يجهلها، حقيقة انبعاث الأمة العربية من جديد، وحقيقة ان العراق يعيش منذ أربعة عشر عاما في نهضة شاملة.

جاءت هذه المعركة المباركة التي لم نردها وإنما فرضت علينا لتتوج هذه النهضة وتكملها وتكشف عن طاقات لم تكن محسوبة، هذه المعركة -أيها الرفاق- أرادوها هم، جهلا، وغطرسة، وافتراء، وقبلنا المنازلة ولكننا في حرب دفاعية وفي حرب عادلة وهم المعتدون، وهم المفترون، لأننا نحن لم ننظر يوما الى التوسع، ما دامت أرضنا ما زالت مغتصبة من قبل العدو الصهيوني، ما دامت فلسطين تطالب العرب بالإنقاذ والتحريض، فإذن هل كان يعقل ان نفكر في غزو قطر مجاور وفي التوسع، ونحن أمامنا طريق طويلة ومهام كبيرة لاستكمال استقلال وتحرير ارضنا العربية ولاستكمال وحدتنا القومية، ولاستكمال نهضتنا الجديدة. ولكن أراد القدر ان يجعل من هذه المعركة التي فرضت علينا مجالا، لكي يُظهر الشعب في هذا القطر العظيم، وان يُظهر البعثيون كل ما تنطوي عليه نفوسهم من امكانات عظيمة ومن بطولات يوجهونها بعد النصر النهائي الحاسم والأكيد على العدو الفارسي، سوف يوجهونها على العدو الصهيوني، وعلى الامبريالية وعملائها، لتطهير أرضنا العربية من رجس كل اغتصاب واحتلال وخيانة وتخلف، وانتم أيها الرفاق، جنود البعث العربي، تعرفون بان حركتكم التاريخية لم تطلب منكم شيئا قليلا، لم تطلب منكم نضالا وقتيا، طلبت منكم وطلبت من كل الأجيال البعثية -منذ أربعين عاما وحتى اليوم- ان يهيئوا أنفسهم لمعركة البعث العربي وتحرير الأرض العربية وتحقيق الوحدة العربية وبناء حضارة عربية جديدة، طلبت منكم ان تعطوها كل شيء، ان تقدموا حياتكم ودماءكم في سبيل عظمة أمتكم وفي سبيل حريتها وكرامتها.

ان الله بارك هذه التجربة وبارك هذا القطر وشعبه العظيم، وانتم ترون أي مصير أسود وصل اليه الذين اعتدوا على الحزب في القطر السوري والذين ظنوا أنهم باغتصاب اسم البعث يستطيعون ان يخدعوا الناس ويخدعوا الشعب، ووصلوا الى ما لا يحسدون عليه من مذلة الخيانة، بينما جسدتم انتم في هذا القطر البعث العربي على حقيقته وفي نصوعه وإشراقه، وأمامكم المستقبل الفسيح المديد لتكملوا رسالتكم التي هي رسالة الأمة العربية الخالدة.. والسلام عليكم.

 

27 كانون الثاني 1982

(1) حديث مع المقاتلين في معسكر تدريب الجيش الشعبي في 27/1/1982.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس