ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


الصورة المشرقة في العراق

 

 

ايها الأخوة الأعزاء  (1)

كلما التقي بجمع من الشباب العرب يتجدد إيماني ويتعزز بعقيدتنا وبمبادئنا وباهدافنا الكبرى وبرسالة امتنا. كلكم أيها الاخوة تجسدون أعظم واسمى هدف لأمتنا في هذا  العصر هو هدف الوحدة، فأنتم صورته الرائعة وتجسيده الحي، وأنتم الايمان العميق المتجدد بالمباديء، الايمان الذي لاتزعزعه النكسات العابرة ومظاهر التردي والتراجع والفساد التي تطفو على السطح في معظم اقطارنا العربية، ولكنها لا تمثل جوهر الشعب بل هي نقيض  هذا الجوهر. وأنتم بايمانكم، بحماستكم  بنضالكم تؤكدون بأن هذه المظاهر السلبية السطحية لابد ان تنهزم وفي وقت قريب، لابد أن تنهزم أمام الارادة الشعبية، أمام نضال الجماهير الواسعة، أمام إرادة الشباب العربي، فالشباب له دور تاريخي في كل وقت وفي هذه المرحلة بالذات، وبخاصة أنتم بالفعل مطالبون بأن تعبروا بأصراركم الثوري، بنضالكم العنيد، بمبدئيتكم الصلبة أن تعبروا عن الإرادة التاريخية لأمتكم العربية، إرادة النهوض والانبعاث، وقد حان الوقت وتوافرت الشروط لهذا الانبعاث رغم المظاهر السلبية التي نراها ونصطدم بها، بل إن هذه المظاهر بمعنى من المعاني  هي مؤشرات عن قرب ساعة الخلاص لأنها تمثل النزع الأخير للأمراض المتبقية في جسم الأمة، والعناصر الفاسدة واليائسة المستسلمة التي رضيت بأن تمثل دور المعوق  لساعة الخلاص، دور المعوق لانبعاث الأمة لانها تعرف  أن انبعاث الامة هو موتها ونهايتها.

ايها الشباب

هاقد مضى على حركتكم التاريخية، على ظهورها ونشر مبادئها ونضال مناضليها وجماهيرها ما يزيد على الاربعة عقود من السنين ومازلنا نسعى وراء هدف الوحدة، وهذا الهدف توضع في طريقه أكبر العوائق وتتجمع عليه أخطر المؤآمرات ومع ذلك فانه حي في نفوس  الجماهير العربية من الخليج الى  المحيط، هو أعمق محرك لنضالها، وهو أعمق باعث لعطائها ولآمالها المستقبلية، هذه الجماهير تدرك بالوعي وبالحس الصادق الصافي بأنها لن تعود إلى مسرح التاريخ ولن تقدم مساهمتها  الحضارية إلى العالم إلا عندما تتوحد الأمة العربية، فرغم كل الافتراءآت ومحاولات التشويه والتعتيم لكي يُجعل منها معركة هامشية ومعركة حدود ومعركة خاصة بقطر، ولكن مساهمتكم وتجاوبكم وتجاوب الجماهير العربية في أقاصي الوطن الكبير يدل بأن كل محاولات الافتراء والتضليل والتشويه فاشلة، لان العبرة في العمل، في العمل الصادق، العبرة في التضحية. وادركتم كما ادرك الضمير الشعبي في أمتنا وفي أرجاء وطنها الواسع بأن معركة يُقبل عليها الشعب، شعبنا العظيم في العراق بمثل هذا الايمان، بمثل هذه الحماسة وبمثل هذا الاجماع وهذه الوحدة المقدسة، هذه المعركة لا يمكن ان تكون معركة هامشية ومعركة حدود، لابد أن تكون متصلة بأعمق مقومات الوجود العربي،  الوجود القومي، لابد ان تكون طريقاً إلى تحقيق أعظم الاهداف القومية. المعركة التي تبذل فيها التضحيات الغالية بمثل هذا السخاء، المعركة التي تتصل فعلا وصدقا بمعاركنا الأولى معارك الرسالة العربية، بالروح الملهمة الأولى التي نشرت العقيدة والمباديء والتي كان المجاهدون العرب فيها يعيشون في السماء وهم على الارض، يقاتلون ونفوسهم وافئدتهم بالجنة. إن قبسا من تلك الروح المقدسة قد عاد، قبس من تلك الروح الخالدة
يؤذن بالنهضة الأصيلة الحقيقية الشاملة التي ستبدأ من هنا لتعم الوطن الكبيركله. أعداء الامة العربية الاستعماريون، الصهاينة لايتركون وسيلة إلا استخدموها لاضعاف أمتنا، لوقف وتأخير نهضتها، لتمزيق كيانها والحيلولة دون وحدتها، يستعملون كل الأسلحة المادية والمعنوية ولكن الجيل الجديد الذي تمثلونه يجمع كل هذه المظاهر وهذه الدروس ليعمق وعيه وليتزود بالوعي الذي يتكافأ مع تحديات الأعداء بكل وسائلهم  المتقدمة، والذي يتكافأ مع تحايات العصر من كل نوع.

 
رأيتم الغرب أيها الرفاق كيف يوارب ويغالط، لقد وقف من التغيير الذي حدث في ايران موقفا سلبيا وأخذ يندد بالعقلية المتخلفة التي سيطرت عليه ويحذر من عواقب هذه العقلية فيما لو نجحت واتسع تأثيرها ولكن عندما وجهت هذه العقلية شرها وتخريبها وجهة الأرض العربية والكيان القومي العربي وشخصية الأمة العربية بغية تمزيقها وتفتيتها أصبحت في نظر الغرب ونظر الصهيونية عقلية مقبولة مستساغة فيها المزايا الروحية والثورية والى آخر هذه الأوصاف، كل ذلك لأن الغرب الاستعماري، الامبريالية والصهيونية العالمية لايعتبرون أن هناك عدوا لهم يعوق إستثمارهم واستغلالهم ويعطل مصالحهم المجرمة في بلادنا وفي العالم إلا الامة العربية، كل ماعداها يصبح في نظرهم أعداء ثانويين يمكن أن يحالفوا، يمكن أن يستخدموا ويوجهوا ضد حركة الثورة العربية، وهكذا ترون التقاء الذين هم في الظاهر أضداد وهم في الظاهر ينتمون إلى معسكرات متناقضة متعادية يلتقون على عداء الأمة العربية ومعاداتها، هذا ماينبغي ان يدخل في وعيكم لكي تخرجوا من هذه التجارب كلها بجديد فيه كل الواقعية والعقلانية وفيه كل الاصرار والعزم والارادة التاريخية، لأننا قادرون أن نواجه مؤآمرات الأعداء  ووسائل تخريبهم إذا وفرنا لوطننا ولشعبنا الوسائل التي توحد جهوده والتي تهيء له المناخ الصالح لكي يعطي أقصى ماعنده من إمكانات ومن بطولات وهذا ماقدمه لكم، ما قدمته لكم تجربة حزبكم في العراق، قدمت لكم نموذجا باعثاً على الأمل والتفاؤل، نموذجاً للعمل الجاد المتصل الذي يضع القاعدة الأساسية له، الانسجام مع الشعب، حب الشعب، الاتصال بروح الشعب والسير به نحو عمل كبير، نحو هدف تاريخي يحرك كوامن نفسه وأعمق ذكرياته الحضارية وأعمق تطلعاته الى الحياة الجديدة
.

أيها الرفاق

لعلكم تذكرون آية كريمة تقول "والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" جدير بكم أن تتأملوها مليا وان تدركوا من خلالها لماذا تتطلب قضية الأمة العربية صبرا طويلا، ذلك لأنها قضية حق والحق لايبلغ بسهولة دوما، وهو في كل مراحل التاريخ صعب المنال، لابد ان نبذل التضحيات، لابد أن نجاهد ونناضل ونصبر  صبر المؤمنين، الصبر المتحرك المملوء بالعمل والنضال وبالفكر لاصبر المنعزل، ذلك لان قضية الحق هي دوما صعبة والامة العربية قضيتها حقة وعادلة ولذلك فهي صعبة وفي غاية الصعوبة، وهذه المعركة من  اسطع الأدلة  على كون قضيتنا القومية صعبة تتطلب صبرا ونفسا طويلا كما تتطلب نضالا بطولياً وتضحيات غالية، هذه المعركة التي افتعلت افتعالا، فيها الافتعال وفيها التجني وفيها الغرور لأنها ليست معركة ايران، ايران قامت بمعركتها وانتهت، حررت نفسها من حكم ظالم وفاسد فلماذا التحرش بالأمة العربية وبالقضية العربية وبالقومية العربية وبالنهضة العربية واسسها؟ ولكننا إذا كنا نتهيأ لانبعاث أصيل يستمد روحه من الروح العربية الاولى  ويطمح الى دور.. ان نتخذ من هذه التجنيات والأعمال العدوانية غير المبررة التي تعترض نهضتنا وتستهدف  قوميتنا يجب ان نتخذ من ذلك حافزاً لتعميق معاني النهضة العربية الحديثة وتعميق فكرنا ونضالنا ولكي نصدَّ عن نهضتنا وعن مبادئنا واهدافنا بمزيد من الوضوح والشمول والعمق والاصالة والفكر العلمي الحديث، هذا التحدي الذي جاءنا من ايران وكانوا يحسبون أنه سيوقعنا في الحرج والذعر والتلاشي أمام شعارات ضخمة، ومادروا ان النهضة العربية تقوم في أساسها وفي روحها على هذه القيم الروحية التي هم يدعون الانتماء اليها ويتخذونها سلاحا لمحاربتنا.. هذا تراثنا وهذه  قيمنا وهذا وجودنا العميق والأصيل، لذلك باؤوا بالفشل وبالخيبة، وبدلا من أن يجدوا أمامهم الخوف والارتباك والتفتت والانقسام والتراجع والهزيمة وجدوا ثورة صحية معافاة واثقة من نفسها عميقة الجذور الشعبية، عميقة الاتصال بالروح الأصيلة لهذه الأمة، منفتحة على العصر لاتزيدها التحديات الا إشراقاً والا خصباً وتفتحاً وعطاء، ولقد كان تحديهم لنا برغم أننا لم نرد هذه الحرب بل فرضت علينا ولكننا لم نتهرب منها فكانت مناسبة، لكي تعلن هذه التجربة الثورية التي يقودها حزبكم في هذا القطر العظيم  لكي تعلن تباعا من خلال المعارك البطولية القاسية عما يكمن فيها من قوى ومن فضائل ومن إمكانات، لكي يكشف الشعب عن جوهره الرائع، لكي يتبارى هذا الجيش البطل في أعمال بطولية جعلته الأمل المرتجى للأمة العربية في معركتها المصيرية القادمة لتحرير فلسطين، اذن عندما يُحدث التحدي مثل هذه الآثار الايجابية، عندما يكون مناسبة لكل هذه الانجازات والعطاءات الرائعة ولانرى في المقابل عند المعتدين إلا صورة كئيبة ليس فيها أي عطاء ايجابي لا لأنفسهم ولا للحضارة ولا للعالم، عندها نعرف ونتأكد بأن معركتنا عادلة وان قضيتنا قضية حق وانها اذا كانت وما تزال أمامها طريق طويلة وماتزال تحتاج الى صبر  طويل  فذلك لكي لاتكون نهضتنا نهضة سطحية، لكي نكون جديرين بتاريخ أمتنا، لكي يتسنى لشعبنا العربي من الخليج إلى المحيط ان يعطي أقصى واعمق ما عنده كما رأينا شعب هذا القطر يتنافس على الاعمال الخالدة، واننا مؤمنون بأن الشعب العربي هو شعب واحد هو في أي قطر آخر كما هو في العراق وان امامكم انتم أيها الشباب، أيها الاخوة مهمة إن تكن صعبة فهي ايضا لذيذة ومشرفة وملهمة للمروءة وللرجولة ان  تندبوا انفسكم لنضال صادق في اقطاركم يتخذ من هذه  الصورة المشرقة  التي شاهدتموها في العراق  نموذجا وحافزا وانتم واثقون كل الثقه بأن التلبية ستكون كاملة وان شعبنا في أي ارض عربية هو نفسه، هو باصالته وبإمكاناته اللامحدودة سيعطي  اضعاف ما تطلبون منه.. والسلام عليكم.

 

 ميشيل عفلق

10 تموز 1981

 

(1) حديث مع مجموعة من الشباب العرب المتطوعين للمشاركة في القادسية، خلال زيارة مدرسة الجيش الشعبي في 10/7/1981.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس