ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


معركة عراق البعث

 

في البدء يطيب لي أن أوجه للجيش العراقي الباسل بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسه (1) وبمناسبة الانتصارات الرائعة التاريخية التي يحققها على أرض المعركة، تحية حب وإعجاب واعتزاز، كما أعبر عن عواطف التمجيد والتقديس لأرواح شهدائنا الأبرار الخالدين في ضمير امتنا المجيدة.

كان جيش العراق دوما الجيش الأمين على المبادئ القومية، والمؤمّل لتحقيق أهداف الأمة العربية،كما كان دوما الجيش الذي لم يعرف غير النصر في تاريخه. ولقد انتقل هذا الجيش العظيم بتوجيه مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وروحه وقيادته الفذة، نقلة نوعية الى مستوى البطولات التاريخية. لقد كان في الماضي جيش الأمة العربية، وهو اليوم جيش الرسالة العربية.

فهذه المعركة هي معركة عراق البعث، وجيش عراق البعث، بقيادة قائد تاريخي فذ، هو ابن العراق وابن البعث، توافرت له المؤهلات القيادية، الفكرية والخلقية والعملية على أروع صورة، لكي يعبر عن فكر البعث وطموحه، تعبيرا أصيلا مبدعا خلاقا.

فالبعث هو عقل ثوري، وأصالة عربية، والعقل الثوري هو العنصر الحاسم، لأن الأصالة كامنة في أرضنا وطبيعة شعبنا.. ولا بد من العقل الثوري لكي يفهم روح العصر ويتعامل معها، ويكشف عن الطاقات الكامنة، وبخلق المناخ لتفتح الأصالة وازدهارها، هذا العقل هو الذي بنى بالجهد الجبار الدؤوب طوال ثلاث عشرة سنة من عمر الثورة، المستلزمات والشروط والنفسية التي تصنع النصر، وقد يكون الشيء الأساسي الذي أحدثه البعث في الحياة العربية، هو أنه وصل الى الماضي الخالد، ماضي الرسالة السماوية الانسانية، عبر الثورة والمعاناة النضالية والفكرية والأخلاقية، وهذا ما يشاهد تطبيقه في القادسية الجديدة. اذ أن اتصالها بالقادسية الأولى وملامستها لروح الأبطال الخالدين الذين حملوا مشعل الرسالة الى العالم، جاء عبر الثورة والبناء والخلق والتجديد.. فكان الاتصال الحي الذي ينفذ الى الجوهر.

إن هذه المعركة التي ترتوي من نبع التراث والأصالة، انما هي بالدرجة الأولى معركة المستقبل والفجر الجديد المشرق للأمة العربية. هي معركة الأفكار الجديدة، ومعركة الحياة الجديدة، في مواجهة الجمود والتخلف والعنصرية والحقد والتي يمثلها حكام إيران اليوم.

لقد وصلت الثورة العربية قبل هذه المعركة، الى مأزق تاريخي، كان لا بد أن تجد لنفسها مخرجا منه. فمنذ عشرين عاما والجماهير العربية سجينة مكبلة، ترى الأهداف والطريق، ولا تستطيع التحرك الى الأهداف والسير على طريقها، ترافق هذه الحالة عملية تعمية وتضليل من قبل بعض الأنظمة والقيادات لتزييف الأهداف والانحراف بالطريق. وكانت الصعوبة في المرحلة الراهنة، أن المضللين كانوا من المتسترين بغطاء التقدمية والاشتراكية والعروبة وقضية فلسطين. وان الامبريالية والصهيونية وكيانها الغاصب المصطنع، كانوا يستفيدون من التضليل ويشجعونه من طرف خفي دون أن يقوموا به مباشرة.

فالمعركة في دوافعها العميقة، أي في الدوافع التي تولدها ضرورات التاريخ، ويهجس بها ضمير الأمة، هي لتصحيح المفاهيم، وتصويب الأهداف وفضح التزييف والقضاء عليه.

لا جدال بان معركة تحرير فلسطين هي المعركة الحاسمة في مسيرة النهضة العربية الحديثة، وأن هذه المعركة ليست مواجهة للكيان الصهيوني فحسب، وإنما للامبريالية الداعمة له أيضا. الانتصار فيها متوقف على مدى ما يستطيع العرب تحقيقه من وحدة وتضامن فعليين حقيقيين بين أقطارهم، وعلى مدى ما يستطيع كل قطر أن يحققه من إعداد جدي لهذه المواجهة، يقوم على مشاركة مجموع الشعب، وعلى علاقة الثقة القائمة بين الشعب وقيادته. ولقد أعطى العراق في معركته الراهنة، الصيغة الجدية للإعداد العقلاني الطويل، والصورة المشرقة للثقة العميقة المتبادلة بين الشعب والقائد وان الانتصارات البطولية التي يحققها جيش العراق على جبهات القتال ضد الفرس العنصريين، وتتلقف الجماهير العربية في الوطن الكبير أخبارها بلهفة واعتزاز، ستحرك في نفوس هذه الجماهير، بالإضافة الى شعور الثقة بالنفس والقوة والاقتدار، وعيا جديدا للأسباب والعوامل الفكرية والنفسية والمادية ولطريقة الحياة الجديدة التي أوصلت الى هذه الانتصارات، والتي بدأتها على أرض العراق ثورة السابع عشر من تموز المجيدة.

 

6 كانون الثاني 1981

(1) حديث خاص لمجلة "وعي العمال" بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الجيش العراقي الباسل، وبمناسبة الانتصارات الني حققها على جبهات القتال في معركته ضد الايرانيين.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس