ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


العراق ونهضة الأمة

 

ايها الرفاق الاعزاء(1)

انها فرصة سعيدة جدا ان ألتقي بكم وليست هي المرة الأولى، وحتى لو طال الزمن على لقاءاتي بشباب الحزب وطلابه فاني دوما أسأل واستفسر لأني اعتبر ان أهم مقياس لتقدم الحزب ولنجاحه في أداء مهامه هو ان يكون حائزا على ثقة الشباب والطلاب والعدد الواسع منهم، وعلى مشاركتهم الفعلية المعبرة عن قناعة عميقة بمبادئ الحزب وبرسالة الحزب. لا أقول لكم شيئا جديدا ولكن من قبيل التذكير: الحزب ولد في بيئة الشباب والطلاب ونهض ونما وناضل واقتحم الصعوبات وحقق الانتصارات بسواعد الشباب وبحرارة إيمانهم وبروجهم الثورية، بروحهم القومية الانبعاثية التي هي أهم ما يجب ان نحرص عليه لكي تبقى هذه الروح متوقدة ولكي تبقى مقترنة بالوعي الواضح والناضج.

نظرة الحزب أيها الرفاق من البداية أعطت للشباب دورا تاريخيا، لشباب امتنا وليس للشباب بصورة عامة، لشباب امتنا في مرحلتها الثورية الحاسمة في مرحلة انبعاثها، وانطلقنا من مفارقة او اختلاف بين شباب امتنا وبين شباب العالم المتقدم، من المعاناة ومن مشاهدة لحضارة الغرب ومشاهدة لمظاهر التخلف في مجتمعنا، وللأوضاع الجائرة والشاذة التي كانت تسيطر على البلاد العربية بوجود الاحتلال الأجنبي والاستعمار بكل وطأته الثقيلة، والنضال العسير والمتعثر الذي كانت تخوضه جماهير شعبنا في مختلف أجزاء الوطن الكبير، وأوضاع المجتمع المتخلفة والظلم الاجتماعي ورزوح العدد الأكبر من أبناء شعبنا تحت وطأة الإستغلال والفقر والجهل، وكان طبيعيا ان يقفز الى رؤيتنا المفارقة بين وضع الشباب في البلاد المتقدمة التي أنجزت استقلالها ووحدتها والتي تتابع رقيها بيسر وسهولة وبالتالي لا تحمّل الفرد مسؤوليات مرهقة وتترك له مجالا واسعا لحريته الفردية ولحياته الخاصة، وبيننا نحن في ظروفنا التي تتطلب ان يضطلع الجيل الشاب الواعي بانتمائه القومي، بمسؤوليات كبيرة غير عادية وان يقبل بهذا الدور بكل ما فيه من مشقة بل ان يقبل عليه بلذة وشغف وإيمان، وأن يكشف كل جوانبه الايجابية بل ان يكتشف فيه ميزته التاريخية التي تميز الشباب العربي عن غيره من شبيبة الشعوب الغربية التي لم تعد تحس لها دورا في الحياة العامة فكانت عرضة للضياع.

هناك إذن دوما جانبان: الجانب الشاق المرهق والجانب الممتع والمشرق، الذي يستمد منه الإنسان معنى نبيلا للحياة ورسالة يوجه حياته نحو ادائها. لذلك وجدنا منذ البداية ان هذا القدر الذي يحمّلنا مثل تلك المسؤوليات الضخمة هو قدر محبب لأنه يفتح لنا مجالا للعمل التاريخي.

أهمية الشباب أيها الرفاق بالنسبة للمرحلة الثورية أمر واضح ويكاد يكون بديهيا، الثورة هي الشباب بصفاء نظرته وتجردها وبقوة اندفاعه وباستعداده للتضحية في سبيل الفكرة والمبادئ وباستسهاله للصعب بل للمستحيل، روح الشباب هي الروح الثورية المثالية إذا أحسن توجيهها وأحسنت تربيتها، والتربية الحسنة هي التي توعي وتكشف للانسان عن جوهره، عن ذاته، عن حقيقة دوافعه وميوله وصبواته، وتنمي فيه النواحي الخيرة، هي التربية التي تؤمن بمبادئ ومثل لا تحاول فرضها ولا تكتفي بتلقينها وانما تنطلق من الإيمان بأن جذورها موجودة في نفس كل مواطن وان واجبها ان تكشف لكل إنسان، لكل شاب، لكل طفل، عن هذه النوازع الخيرة وعن هذه الإرادة الكامنة وان تساعده على ان يكتشفها وان ينميها أيضا بوعيه وإرادته.

عندما ظهر تصور الحزب للمرحلة التاريخية الثورية التي تجتازها الأمة كان الطريق واضحا وهو الاعتماد على جماهير الشعب لقناعتنا بان أي نهضة جدية او نضال جدي او تحرر لا يمكن ان يتحقق الا بقوى الشعب، لكن الشعب يحتاج دوما الى طليعة، والشباب هو الطليعة الثورية ولو ان الغاية تبقى مجموع الشعب والغاية كذلك تبقى مجموع الإنسان، اي ان تستهدف التربية الحزبية الإنسان العربي بكامله بكل مراحل عمره وفي كل جوانب شخصيته عندها يتم بناء الإنسان العربي الجديد، وانتم تعيشون هذه الحقائق الحية وتدركون وتلمسون يوميا بالممارسة ان هذا الصمود الذي يبرهن عليه شعبنا العظيم في العراق وهذه الانتصارات ما كانت لتتحقق لو لم يسبقها تربية للشعب بمجموعه، وللإنسان بمجموعه، اي بكامل مراحل حياته وبكامل جوانب شخصيته، وليست التربية وحدها كافية وإنما توفير الحياة الكريمة والوسائل الضرورية لكي يشعر الشعب بارتباطه بالوطن ولكي يستطيع ان يساهم في بناء نهضة الوطن، فإذن هذا الجانب الاشتراكي في فكرتنا الذي هو أساسي، مع الجانب المعنوي التربوي هو وراء ما وصلنا اليه من صمود ومن انتصارات.

 

ايها الرفاق

نحن مازلنا في مرحلة قومية صعبة، مازالت أمامنا أشواط، ومازالت أمامنا صعوبات جمة، ويطلب منا اذن ان نحفظ التوازن، بين ما وصلنا اليه في هذا القطر الذي هو قطر أساسي في الأمة وفي تاريخها وفي مشروع نهضتها ومستقبلها، ان نحفظ التوازن بين هذا الذي وصلنا اليه وبين بقية أجزاء الوطن وما هي عليه في واقعها الراهن وما تحتاج اليه من نضال لكي تتغلب على كل العوائق وكل التشويهات التي تحجب حقيقتها القومية والتي تمنع الشعب والجماهير الشعبية من ان تمارس دورها التاريخي في النضال التحرري وفي النهوض وفي العمل للوحدة، فالجزء مهما يبلغ من قوة لا يستطيع ان يحيا وحده بل لا يستطيع ان يحافظ على قوته اذا لم تكن الأجزاء الأخرى في حالة صحية تتفاعل مع هذه القوة وتحميها بدلا من ان تتنافس معها، تسيء اليها.

فمنطلق الحزب كما تعرفون وضع الوحدة فوق كل الأهداف وفوق كل الحقائق عن قناعة عميقة، ونتيجة نظرة تحليلية للواقع العربي ولكل ما يحيط بأمتنا من أعداء ومؤامرات ومخططات تستهدف وجود هذه الأمة ودورها الإنساني. ولذلك كان تركيز الحزب دوما على الناحية القومية في كل الظروف والأحوال، وخاصة في سنوات الحرب، بان هذه الحرب هي للدفاع عن العراق وعن نهضة الأمة، عن ارض العراق وعن الأرض العربية بصورة عامة، وهذه حقائق وليست مجازا لان الأعداء ولان العدوان الفارسي الخميني يستهدف الأمة العربية ويستهدف نهضتها ودورها الإنساني، هذه الموازنة، هذا الشمول في النظرة الذي يجب ان نفكر بالأمة في كل عمل جزئي نقوم به في هذا القطر، وان نفكر في مستقبل الأمة في كل عمل يومي في حاضرنا، وبهذا نضمن العاقبة السليمة والنجاح الأكيد، وهناك ما يبشر بان التجاوب العربي مع الحالة التي يعيشها العراق بدأ يأخذ شكلا جديا لم يبلغه في السابق، وأقول الحالة وليس فقط الحرب لان ما نطلبه ونطمح اليه ليس فقط المشاركة في الحرب والقتال، وإنما المشاركة في الحقائق العميقة والثمينة التي هي أساس البناء في هذا القطر والتي سمحت بأن يكون هذا الصمود ست سنوات في حرب تعتبر من الحروب الكبرى في هذا العصر، نريد ان ينتبه العرب ويشاركوا بعقولهم وبوجدانهم القومي في روح النهوض وفي الأساليب والوسائل العلمية التي اتبعها الحزب ليؤهل الشعب بمجموعه، والشباب طليعة هذا الحزب، هذا الشعب، ليصل الى هذه الحالة المثلى والتي لن نكتفي بها ولن نطمئن عليها الاطمئنان الكامل الا عندما نرى الشعب العربي في مختلف أقطاره تسري اليه روحها، وتحرك فيه نفس الدوافع ونفس القدرات التي حركتها هنا، لأننا نؤمن ان شعبنا شعب واحد وجوهره واحد وإنما يحتاج الى فعل الحزب الثوري الرائد والى هذه التربية التي أعطيتم عنها ايها الرفاق صورة مشرقة، وسنظل متفائلين وسيظل إيماننا بشعبنا وبأمتنا إيمانا قويا وعميقا، ونؤمن منذ ان بدأ هذا الحزب بأننا نمر في مرحلة تاريخية لها مصاعبها الجمة ولكن لها أيضا مزاياها الثمينة، فالأمة العربية في هذا العصر تسير في انسجام وتوافق مع المبادئ ومع اتجاه التاريخ الإنساني ومثله العليا.

اننا كعرب وكبعثيين مدافعون نرد العدوان ولا نعتدي على أحد، نعيش مبادئنا بكل صدق وإخلاص، نناضل لاسترداد الحقوق المغتصبة والأرض السليبة، وندافع عن السيادة وعن خيارنا في التقدم والنهضة وعن حقنا في توحيد امتنا وأجزاء وطننا العربي من اجل ان نكون عنصرا فاعلا خيرا في العالم وان يكون لنا دورنا الحضاري، بينما الآخرون يعيشون في تناقض دائم مع أنفسهم وما يدعونه من مبادئ وقيم سواء أكانوا خمينيين او صهاينة او غربا استعماريا، بينما يمنحنا الانسجام مع أنفسنا ومع مبادئنا وقناعاتنا قوة للصمود وللتفاؤل ويعزز إيماننا بالنصر وتحقيق الأهداف البعيدة الكبرى لأمتنا ولرسالتنا الإنسانية.

انا سعيد بهذا اللقاء ومستبشر بالمستقبل، ان مجتمعا ينبت شبابا بهذه الروح وبهذا الوعي وبهذا الاندفاع التاريخي لبناء الحياة الجديدة، لهو مجتمع لم يتجاوز فقط حد الخطر والخوف، بل قد امتلك سر النهوض والنصر ولن تلبث هذه الروح حتى تفعل فعلها في وجدان الأمة.

 

21 نيسان 1986

(1) حديث مع أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة وشباب العراق بتاريخ 21/ 4/1986.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس