ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


الثورة العربية وقضية فلسطين

 

إن الثورة العربية هي مشروع كبير، لزمن طويل، لعشرات من السنين، لأجيال متعاقبة من الشباب المناضل الذي يشكل الطليعة المؤهلة تاريخياً لحمل أعباء هذه الثورة، لأنه المؤهل لفهم واستيعاب الروح الثورية وللسير بالإندفاع والحماس والإيمان العميق والفكر الواضح في مسيرة الثورة العربية التي يعرفون سلفا بأنها ستكون طويلة وشاقة. إن هذه الصورة للثورة العربية لم نكتمها، وإنما كانت واضحة ومعلنة منذ بدء حركة حزب البعث العربي الاشتراكي، إذ أننا لا نعمل لظرف وقتي ولا لعدد من السنين وإنما للأجيال القادمة.

إن الأمة العربية تتمخض عن حركة إنبعاث عميق له دلائل منذ ما يقرب من قرنين وهو سائر في طريق النضج والتحقق، وإذا كان يصطدم بين الحين والآخر بعقبات مصطنعة ضخمة فلأن الأمة العربية بحكم وعيها برسالتها وبحكم أصالتها لا ترضى بالحلول السطحية ولا ترضى بالتسويات وإنما تصر على تحقيق النهضة العميقة الشاملة، ولهذا يزيد الأعداء من العراقيل في طريق الأمة العربية ومن المؤامرات على نهضته، ولكن القوة المخزونة في نفسها، في أعماق جماهيرنا الكادحة الواسعة، والقوة المخزونة منذ قرون والتي تريد أن تنطلق وتبني نهضة تاريخية، كفيلة بأن تتغلب على جميع العقبات والمؤامرات..

إن الفكر في نظرنا هو الأساس ولكننا نؤمن بالثورة، نؤمن بالنضال وبالتضحية الكلية في سبيل القضية، نؤمن أن الثورة العربية هي تفتّح لكل الملكات والمواهب في الإنسان العربي، هي بعث لحيويته ولقدراته ولجدارته وكفاءته في كل النواحي والجوانب وليست مقتصرة على جانب واحد، لذلك أنتم تجسدون بنشاطكم الرياضي هذا التعدد في فكرة الثورة، فالثورة ليست فقط في حمل البندقية وإنما هي يقظة وتفتّح وإنماء في الشخصية، في الحرية وفي امتلاك الإرادة، في السيطرة على ظروف هذا العصر المعقد الذي يتطلب إلماماً بالفكر والعلم وبالفنون وبضروب القتال والنضال على اختلاف أوجهها وأشكالها.

نطمح الى أن يكون الإنسان العربي متكافئاً مع متطلبات هذا العصر لا يشعر بنقص أو عجز ولا يشعر بضمور ما بشخصه، ولا يجهل ناحية ويقف حيال الأمم الأخرى والمجتمعات الراقية مشدوها مستغربا يتساءل كيف وصلوا إليه، ولماذا التخلف أو بقاياه في مجتمعاتنا. نريد للإنسان العربي أولا أن يستمد ثقة لا محدودة بالنفس، ثقة بنفسه من ثقته بأمته، بتاريخها، بأمجادها، بما حققته وبنته من حضارات خالدة، وبما أعطته للإنسانية قروناً وقروناً، أن يتسلح بهذه الثقة، ثم يتسلح بالفكر الواضح العلمي وأن يعرف أن قدره أن يشق طريقا لأمته بنضاله، بنضال الجماهير العربية، وان يشق طريقا للقضية المصيرية رغم كل المصاعب.

إن الرياضة هي باب ومجال يستنشق فيه الشاب العربي المناضل هذا الهواء الصحي النقي، هواء الحرية والانطلاق والانضباط في الوقت نفسه، فالرياضة مدخل الى النضال وليست بعيدة عنه وملهية عنه، وإنما هي باب من أبوابه وناحية من نواحيه، إن الفكرة الثورية التي ننشدها والتي نبنيها ليست جديبة وليست فقيرة وليست محدودة وإنما هي إطلاق لكل المواهب، إطلاق وتربية لكل الملكات في الإنسان، لأننا بهذا نتكافأ مع المصاعب الجمة التي تعترض نهضتنا، أن نخلق ونبني الإنسان الذي يعرف أن أمته مستعدة، متهيئة لتجديد حضارته، لبناء حضارة في مستوى أصالتها وتراثها وتاريخها لأنه هو الخلية الأساسية في جسمها، الإنسان الذي يفكر ويبدع ويبني ويناضل ويقاتل. إننا نعتبر القضية الفلسطينية قضية كل جزء من أجزاء وطننا العربي ونعتبرها هدف كل عمل جزئي نقوم به في أي مجال من مجالات نشاطنا.

إن جبهة التحرير العربية تجسد الفكر القومي الذي كان وراء تأسيسها والتصور القومي هو أن نوحد تفكيرنا كبداية لتوحيد وطننا وشعبنا وأمتنا. إن هذا الفكر يحارب من قبل الأعداء أشد محاربة في محاولة لتيئيس الإنسان العربي من نجاح قضيته الكبرى وبلوغ هدفه الأكبر في الوحدة والتحرر، في وحدة أمته وفي معركة التحرير الفاصلة بيننا وبين الإمبريالية والصهيونية، لذلك يعمل الأعداء الى افتعال المعوقات، الى كسب بعض الحكام من ضعاف النفوس، من النفعيين والجبناء في محاولة لإعطاء الدليل على عقم النضال القومي، على عقم نضال الوحدة وعلى عقم هدف التحرير، لكي تذل الإرادة العربية عن طموحاتها وتقبل بالحلول الصغيرة، الوسط، بالتسويات التي تقضي علينا كأمة.

هكذا يريدوننا دويلات متفرقة متنابذة ليس لها شأن ولا يمكن أن تشكل قوة أو أن تبني شيئا جديداً. إذا هي تنازلت عن الإنتماء للأمة العظيمة وعن حمل مسؤولية الأهداف الكبرى. نرى بين الحين والآخر صوراً ومشاهد مؤذية ولكن الشباب العربي المناضل يزداد إيمانا بصحة سيره الثوري وطريقه الثوري، يزداد تشبثا بأهداف ثورته الكاملة، يزداد شعوراً بعظم المسؤولية التي حملها القدر لهذه الأجيال الشابة. وإن الخيانة التي جسدها السادات والتخاذل والغدر والنفعية والعبودية للمنافع والمصالح الخاصة التي تبديها بعض الأنظمة الرجعية عندما تنتكس وتتراجع وتكشف القناع عن عمالتها، نعتبرها خيراً وحافزاً للقوى الثورية ومزيلة للإلتباسات، وملقية مزيدا من الوضوح على طريق ثورتنا لنعرف المناضلين الحقيقيين، ولنعرف المخادعين والمتسترين بثياب الوطنية والعروبة وهم متآمرون علينا.

إنكم تشعرون وتدركون مثل كل المناضلين العرب حراجة الظروف التي تمر بها الأمة العربية والقضية القومية، وخاصة قضية الأمة العربية المركزية فلسطين، وإنكم تنتسبون الى جبهة التحرير العربية التي قامت على فكر حزب البعث العربي الاشتراكي، هذه الجبهة التي لم تهدف من وراء تأسيسها إضافة فصيل جديد الى فصائل المقاومة بل كان القصد منها أن تمثل فرقا نوعيا لا يتعارض مع ما هو موجود على ساحة النضال الفلسطيني.

 

29 أيار 1980

(1) حديث مع أعضاء الوفد الرياضي والفني لجبهة التحرير العربية في 29\5\1980.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس