ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


الشباب جيل الثورة العربية

 

ان حزبنا في فكرته الأساسية اعتبر الثورة العربية ثورة الجماهير الواسعة(1)، ثورة الجماهير الكادحة وليست ثورة فوقية، او ثورة نخبة او ثورة طبقة، وانما ثورة مجموع الشعب باستثناء الفئات المريضة المستغلة والفاسدة والتي هي دوما قلة..

ان الحزب أعطى، منذ تصوره الأول، للشباب وللطلاب هذا الدور التاريخي باعتبارهم الطليعة المهيئة والمؤهلة لان تفهم وتعي قبل غيرها من فئات الشعب ضرورات الثورة وضرورات الانقلاب العميق ونوعيته ومداه وأبعاده، وان تعطيه ابعاده التاريخية وان تتقدم الصفوف وان ينتقل الفكر الثوري والايمان بالقضية منها الى جماهير الشعب. لقد لاحظتم من الكتابات الأولى منذ بدايات الأربعينات، وحتى قبل ذلك التاريخ، هذا التركيز على الشباب، على الجيل العربي الجديد وتحديد المواصفات الاساسية لهذا الجيل.

ليس كل الشباب هم جيل الثورة العربية اذ لا بد من توافر شروط معينة لان هناك حركات رجعية وفاشية اعتمدت على الشباب، لان الطبيعة زودت الشباب بالحيوية والاستعداد للثورة وللنضال. ولكن اذا لم تقترن هذه المؤهلات الطبيعية بالفكر الثوري الصحيح وبالمبادئ السليمة يمكن ان تنحرف الاستعدادات الطبيعية ويمكن ان تشوّه وتسخّر لأغراض مناهضة للثورة.

ان المنطق الثوري الذي تضمنته فكرة البعث هو منطق ثورة دائمة متجددة، ويكفي ان نأخذ موضوع الوحدة العربية وان ننظر الى فكرة الوحدة في منطق البعث، لنتأكد بان ثورة البعث هي ثورة دائمة لا تتوقف ولا تنتهي لان الحزب يعتبر ان كل انجاز في حدود القطر الواحد يبقى ناقصا ومعرضا للتشويه والضياع ما لم يكن خطوة دافعة الى النضال الوحدوي. فالوحدة العربية التي هي أبعد الأهداف القومية وأصعبها، ستبقى المحرك الأساس لثورة البعث ولصحة منطقه. ان من دواعي السرور ان يكون هذا اللقاء مع الرفاق الآتين من المنظمات الشبابية والطلابية في الخارج، فهذا يعطي صورة مكتملة لتصور الحزب. كلكم ناضلتم في هذا القطر وسجلتم بطولات مشهودة ولكن طبيعة المهام، طبيعة العمل، اقتضت ان يذهب قسم منكم الى الخارج وان تبقى الأكثرية في طبيعة الحال متابعة نضالها داخل القطر. فالابتعاد او الاغتراب والاطلاع على أنماط جديدة من الحياة العصرية مطلوب وعامل مكمل لتصور صحيح لدور الشباب ودور المناضلين البعثيين.

ان حزب البعث العربي الاشتراكي وضع كهدف له ان يحقق للامة العربية النهضة المتناسبة مع العصر الحديث والتي فيها المقومات الأساسية لمجاراة الأمم الراقية. ان الثورة في القطر العراقي تستلهم الثورة العربية بكل أبعادها وأهدافها، وان الجماهير الشعبية في هذا القطر قد وصلت الى مستوى من الالتحام بالثورة والتفاعل الخلاق معها لم تبلغه في اي قطر آخر وفي أي زمن سابق، وهي مندفعة بقلوبها وعقولها لتكون صانعة لثورة البعث، لثورة الوحدة العربية. لا يجوز ان يغيب عن أذهاننا ان الثورة العربية هي بحجم مكانة الأمة العربية في التاريخ وفي العصر الحاضر، وأعداء الأمة العربية يعرفون هذا الحجم ولذلك هيأوا في الماضي ويهيئون يوميا الوسائل لتعطيل هذه القوة.

ان هذه المناسبة تدفعنا الى استذكار الجهد النضالي عبر مسيرة شعبنا العربي ومن اجل صيانة المبادئ والأهداف الكبيرة. اننا نتفاءل دائما لان النواة الصحيحة للثورة حية، وهي تنمو باستمرار، وهذا كسب تاريخي للأمة العربية لان نجاح ثورة الحزب القائد في القطر العراقي عزز من ثقة جماهير الأمة العربية بقدرتها وحيوية مسيرتها التاريخية. ان تجربة العراق الثورية هي تجربة رائدة وتحمل كل مواصفات ديمومتها وهي ايضا ثمرة نضال الحزب واقتداره الدائم على مواجهة كل التحديات.

 

11 أيار 1980

(1) من حديث مع رؤساء ومندوبي فروع الاتحاد الوطني لطلبة العراق خارج القطر في 11/05/1980

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس