ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


الطبقه العاملة ضمان نجاح الثورة وقيم الحزب

 

ايها الاخوة(1)

إنني عندما اوجد بينكم، بين افراد الطبقة العاملة اشعر بكامل حريتي. أشعر بأنني أمام اصدق صورة للحزب الذي نناضل جميعا منذ عشرات السنين في سبيله، اشعر أنني امام الصورة الحية للثورة العربية. في كل المجالات الأخرى، في كل الاوساط الاخرى التي التقي بها أرى وألمس جوانب وروابط هامة تربطها بالحزب والثورة، ولكني في نفس الوقت اشعر أيضا بان ثمة نقصا أو أكثر ينقص الصورة حتى تكتمل وان لابد من التوعية ومن النضال ومن التوضيح الفكري والتوجيه العملي والسهر الدائم حتى لا تحدث الإنحرافات، حتى يمضي السير سليما، في حين ان الطبقة الشعبية الكادحة وفي طليعتها الطبقة العاملة، تحوي الصورة الكاملة والشروط الكاملة للثورة العربية. هذا هو الأصل، هذا هو المبدأ والفئات والاوساط الثورية الاخرى تأتي كمساعدة، كمكملة في ناحية من النواحي، أما الأصل فهو الشعب. العدد الأكبر بطبقته الكادحة، بروحه المتحررة الثائرة، في حياته الممثلة لآلام امتنا والممثلة ايضا لإرادتها ولطموحها، لإرادتها في التحرر وطموحها في بناء المستقبل العربي المنشود.

 

ايها الرفاق.. ايها الاخوة

ان ثورة الحزب في هذا القطر حققت الآمال التي وضعناها عليها وإن كان الطريق ما زال طويلا، الا اننا واثقون كلنا بأن الخطوات المقبلة لن تكون الا كالخطوات السابقة، بنفس الروح ونفس العزم ونفس الاخلاص ونفس الجدية. هذه ثورتكم، وانتم الضمانة الكبرى لها. انكم تبنون هذا القطر ولكنكم في كل يوم وفي كل ساعة وانتم تعانون وتجهدون تعرفون الصلة الوثيقة بين شعبكم ونضالكم القطري وبين نضالكم القومي. وكيف ان مردود هذه الاتعاب التي تتحملونها في هذا القطر لن يقتصر على العراق وانما هو للنضال العربي كله، ولمعركة المصير العربي كله، فانتم الذين تفتحون هذه النافذة بين نضال القطر ونضال الوطن الكبير، بين العمل للقطر والعمل للوحدة العربية. بل اقول اكثر من ذلك انكم ايها الرفاق العمال بنضالكم تعطون للثورة العربية ابعادها الانسانية لأنكم توحدون جهودكم مع كل الطبقات العاملة ومع كل قضية عادلة، وتمثلون هكذا الانسان العربي الجديد الذي لن يكتفي ببناء وطنه وبناء مجتمعه، وانما من يتحمل مسؤولية إنسانية كهذه سوف يكون عضوا فعالا في جسم الإنسانية. وقد آن لنا، للشعب العربي ان يخرج الى المبادرات العالمية، آن له بعد فترات طويلة من التخلف والتقوقع والجمود ان ينطلق من جديد الى رحاب العالم وان يبرهن من جديد على جدارة العربي وعلى منزلة العبقرية العربية بين الأمم وبين الشعوب.

 

أيها الرفاق

ايام معدودة في حرب تشرين الأخيرة انطلق فيها الشعب العربي بحرية وعفوية، في ايام قليلة استطاع ان يهز العالم بأسره، أن ينال اعجاب الشعوب واحرار العالم، ان يبرهن بالدليل الحسي انه قد يؤثر على نظام العالم، قد يختل نظام العالم إذا تجوهلت إرادة الأمة العربية، اذا تجاهل الغير مصلحة هذه الأمة، فكانت اذن لمحات وومضات خاطفة من البطولة العربية، من الشجاعة ومن الكفاءة تسنى لها ان تظهر وتتحقق في ايام الحرب، واذا عهد جديد يبدأ، وإذا الغرب والشرق ينتبهون ان شيئا جديدا قد ظهر في القوة العربية، الإرادة العربية. فترة قصيرة من التضامن العربي فرضته الجماهير على الحكومات أخاف الإستعمار وهز أركانه في أوربا وأمريكا كما هز أركان الصهيونية وأسُس عقيدتها الواهية المصطنعة، فكيف اذا توحدت هذه الأمة، كيف اذا اصبح العرب دولة واحدة بإرادة موحدة وبتخطيط واحد و باقتصاد واحد، بجيش واحد، بكفاءات علمية وفكرية موحدة، تعود كلها الى الوطن بعد الاغتراب واليأس وتعمل في سبيل هدف واحد.

انتم ايها الرفاق أجدر من يستوعب هذه الصورة، انتم الطبقة العاملة الموحدة التي ينتظر منها ان تحقق الوحدة للطبقة العاملة العربية وللأمة العربية كلها. انتم أجدر من يدرك ويلمس الفرق الأساسي النوعي بين حالة التجزئة وما تسببه من هدر للجهود وللثروات وللكفاءات، وبين حالة الوحدة التي تضاعف قوتنا اضعافا في نواحيها المادية والمعنوية.

انني لا أشعر عندما أكون بينكم بحاجة الى ان احثكم على النضال فأنتم رواد النضال في هذه الأمة، وفي هذا القطر تبرهنون عمليا في تحملكم لأعباء مهمات الثورة وفي تضحياتكم وفي حماسكم الذي لا يفتر، تبرهنون انكم تدركون اكثر من أي كان، ما هي مهماتكم وما هي الأهداف التي يجب ان توجهوا جهودكم لبلوغها. ولذلك اشعر أولا بالإطمئنان الى الغد، الى المستقبل، عندما أرى الطبقة العاملة حاصلة على منزلتها وكرامتها، متحملة لواجباتها، لأن هذه هي الضمانة الكبرى لنجاح الثورة ولتقدم الحزب والنصر في معركة المصير. والسلام عليكم.

 

23 حزيران 1974

(1) حديث في مقر الإتحاد العام لنقابات العمال في القطر العراقي في 23/6/1974

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس