ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


القطر الصامد ينهض بمسؤولية العمل القومي

 

أريد أن أهنئ الرفاق على جهودهم، وأطلب منهم أن يضاعفوا الجهد، لأن المؤامرة الاستعمارية الصهيونية الرجعية تبلغ الآن ذروتها، وكما ذكر احد الرفاق، فإن العراق وحده يقف صامدا في وجه هذه الهجمة، بينما تستسلم بعض الأنظمة للاستعمار، كما ان هناك انظمة كانت دوما عميلة للاستعمار. ولولا وقوف العراق بهذه الارادة الثورية الصامدة المتمسكة بحقوق الوطن العربي وبقدسية القضية الفلسطينية لساد اليأس ولتفشى التردي، على الاقل على مستوى الحكومات، لأن الجماهير العربية لا يمكن ان تستسلم ولا يمكن ان تتراجع بعد ان كشفت الحرب الاخيرة -حرب تشرين- عن القوى الكامنة الفاعلة التي اختزنتها جماهيرنا العربية في طول الوطن العربي وعرضه والتي تستطيع بها ليس الصمود فحسب، وانما تستطيع بعد فترة من الزمن -نرجو ان لا تطول- ان تسترد ممارستها النضالية وان تتصدى للهجمة الاستعمارية الصهيونية، ولكن لا بد في مثل هذه الظروف ان يكون هناك نور يتقدم الطريق.. ان تكون هناك منارة تشع، ان يكون هناك أمل تلتف حوله القلوب وتتطلع اليه النفوس والإرادات. وانتم تشكلون هذا النور وهذا الأمل، الطبقة العاملة والطبقة الشعبية لأمة خيرة. الفلاحون والعمال في هذا القطر المناضل يجب ان يكونوا الطبقة التي تحرك بالقدرة وبالعدوى وبقوة النضال كل الجماهير العربية وان توحدها حول الأهداف القومية السامية.

 

أيها الرفاق

لاشك انكم تتقدمون باطراد على طريق العمل النقابي والممارسات النقابية الوطنية والقومية والدولية، وانكم تشكلون بابا وطريقا للحضارة الحديثة لأنكم تضطلعون بمسؤولية اهم ما يميز الحياة العصرية المتقدمة أي التصنيع، تقومون بدور حضاري كبير اذ تقوم عليكم وعلى جهودكم حركة التصنيع، التي نرجو ان تنقل، وفي اقصر مدة ممكنة، شعبنا العربي من حالة التخلف الى حالة الرقي ومجاراة الأمم الراقية. وإن العمل في المعامل والصناعات كما تعلمون جيدا وبالتجربة الحية ليس مجرد انتاج، ليس مجرد انتاج كميات من الأشياء المصنوعة وانما هو عقلية حديثة، عقلية جديدة متنورة علمية تستطيع من خلال ممارستها لأعمالها في المعامل وفي مجال الصناعة والتصنيع ان تغير وجه المجتمع. كذلك فطبقة الفلاحين في بلادنا ايها الرفاق اذا صح القول بانها ترزح تحت اثقال مزمنة من التخلف، فيصح القول ايضا بانها تحمل في ممارساتها الحياتية، في سلوكها واخلاقها، في نظرتها الى الحياة، في ارتباطها الوطني والقومي والإنساني ، تحمل عصارة الحضارة. فالتخلف لا ينفي العراقة في الحضارة، وشعبنا شعب عريق وفلاحنا العربي فلاح عريق، ومن واجب الحزب ومناضليه عندما يتعاونون ويتفاعلون مع افراد شعبنا في الريف ان يكتشفوا جليا هذه السمات والمعاني الحضارية العربية التي يعيشها الفلاحون في السلوك والممارسة، وان كانوا لا يتعلمونها في المدارس. من واجب المناضلين في حزبنا ان يكتشفوا ذلك وان يكشفوه ايضا لجماهير الشعب لكي يصبح الشيء الممارس وعيا واضحا وناضجا وعندها تسهل مكافحة التخلف ويسهل التغلب على التخلف واختصار الزمن، لاننا سواء في مجال العمل الفلاحي او في مجال العمل العمالي لا نريد لنهضتنا القومية ان تكون مقلدة، ان تنقل مجرد نقل من الحضارة الأجنبية، وان كنا بحاجة الى التفاعل مع حضارة العالم، لكن نريد ان يأتي ذلك بشكل طبيعي وان يتفاعل مع مميزات شخصيتنا القومية، وان يكون الإقتباس من الخارج ومن الحضارة الحديثة مساعدا على تبنّي واكتشاف وإظهار مزايا وخصائص الشخصية القومية وما فيها من قوة وإبداع.

 

ايها الرفاق

ان ما حققتموه حتى الآن في هذا القطر، في سنوات معدودة مضت على قيام الثورة لهو كبير وجدير بكل تقدير، ولكن المطلوب دوما المزيد ثم المزيد. المطلوب ان نتكافأ دوما مع عظم الأخطار التي تواجهنا وتواجه أمتنا. ان نبذل من الجهد في كل قطر من اقطارنا ما يدفع الخطر ليس عن هذا القطر فحسب وانما عن الأمة العربية كلها. عندما تكون أوضاعنا القومية ليست في مستوى واحد من السلامة، عندما تكون هناك اقطار رازحة تحت الحكم الرجعي العميل واقطار يحكمها حكام انتهازيون رخيصون لا يمثلون كرامة الأمة ولا طموحها ولا كبرياءها، يستسلمون للحفاظ على منافع الحكم.  عندما تكون الحالة هكذا، فلا بد ان يحمل قطر من الأقطار مسؤولية الجميع او يحاول على الأقل ذلك، لا يكتفي بنفسه ولا يكتفي بمتطلبات حاجاته وانما ان ينظر الى مصلحة الأمة كلها، وان يتحمل مسؤوليته القومية الى جانب مسؤوليته الخاصة.

ومَن غير الشعب، غير الجماهير الشعبية الكادحة يقدّر هذه المسؤولية، من غير ابن الشعب الذي يكدح والذي يروي الأرض بعرقه وتعبه، من غير جماهير الشعب تستطيع ان تقدّر هذه الروابط وهذه المسؤولية.. مسؤولية المصير العربي الواحد لكي نحافظ على سلامة ترابنا القومي ووحدته ونحافظ على حريتنا واستقلالنا ولكي نعد ونجهز من اجل معركة قادمة... معركة التحرير التي تستأصل الصهيونية الدخيلة على ارضنا، لكي نرى ذلك اليوم المأمول يوم تتوحد الأمة العربية وتحقق رسالتها الانسانية.

 

بغداد بتاريخ 21 حزيران 1974

(1) من حديث مع أعضاء مكتب العمال المركزي ومكتب الفلاحين المركزي في 21 / 6 / 1974.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس