ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


تجربة عقلاتية ثورية

 

 

 

اهنىء الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الكادحة في قطرنا المناضل وفي وطننا العربي الكبير بعيدها العالمي(1)، وأؤكد بهذه المناسبة ثقتي وقناعتي العميقة بدور هذه الطبقات التاريخي في تحرر امتنا العربية وتقدمها ووحدتها.

 

كما اهنىء مجلة (وعي العمال ) والقائمين على تحريرها وطباعتها واثمن دورهم في نشر الوعي القومي والاشتراكي بين صفوف العمال والكادحين. ولئن تعذرعلي ان البي طلب (وعي العمال)  في الاجابة بشكل واف على الاسئلة التي طرحتها، فلن يفوتني ان اجمل رأيي في جواب واحد على اسئلة قيمة يستحق كل واحد منها ان يفرد له بحث مستفيض.

 

كانت نكبة فلسطين عام 1948 حدا فاصلا بين زمنين وعقليتين ومفهومين للثورة. فقبل النكبة كانت المعركة معركة تحرر فاصبحت بعدها معركة مصير، وكانت معركة تقدم  فاصبحت معركة حضارة، وكانت معركة اقطار فاصبحت معركة امة.

 

ان الجماهير العربية التي عرفت في الخمسينات مدا ثوريا شاملا، من المحيط الى الخليج، قد برهنت، بتجاوبها النضالي الرائع، وعطائها السخي، على استيعابها العفوي الصادق لهذا الفارق النوعي الذي يميز المرحلة الجديدة، في حين قصر معظم القيادات العربية الثورية عن فهم هذا الفارق وبالتالي عن توفير شروطه ومستلزماته.  

 

فوحدة 1958 فشلت في التطبيق لانها جعلت الدولة غايتها لا الثورة، ولان قيادتها واجهزتها البيروقراطية لم تفهم الوحدة كثورة دائمة وان دولة الوحدة هي التي تفتح امام الجماهير طريق ثورتها الوحدوية الشاملة.

 

لقد جاءت الوحدة بمعطيات وحقائق جديدة، كان لابد من حد معقول لاستيعابها. فالظروف الموضوعية باتت اكثر تعقيدا،  وشروط القيادة للتجربة الوحدوية اصبحت اكثر صعوبة، تتطلب مستوى اعلى من قبل، وكفاءات جماعية نضالية تستند الى منظور قومي شمولي، مستند الى فهم علمي منظم للنضال الشعبي والى نظرة اشد قسوة على الذات، واقترابا من الموضوعية، ومن الانسجام مع طبيعة المعركة الجديدة التي استنفرت كل احقاد الامبريالية والصهيونية والرجعية في وجه الوحدة، وجعلت هذا الحلف يضع التآمر على الوحدة في مركز اهتماماته ومخططاته اللئيمة.

 

وبعد حرب حزيران التي كان لها معنى الكارثة القومية التي كانت لنكبة 1948، نشأ مناخ دافع الى المراجعة والنقد والنقد الذاتي والى تبين حجم المؤامرة، والمستويات الجديدة المطلوبة للنضال في المرحلة الجديدة.

 

وقد ادركت ثورة الحزب بعد السابع عشر من تموز 1968 هذه الحقائق، وبرهنت خلال مسيرتها، وفي النهج الرصين الناضج الذي اتبعته، على تهيوء الجماهير العربية للدخول في مرحلة ايجاية جديدة اكثر نضجا وعقلاية وثورية. كما برهنت على عمق وعيها للشروط اللازمة للرد المتكافىء مع حجم المؤامرة على المصير العربي اي الرجوع الدائم الى الجماهير، ثم الانطلاق بها نحو الفضاء الوحدوي وتخطي التجزئة، من خلال تصور شمولي للمعركة، ولقدرات العدو، ولمتطلبات معركة تحرير فلسطين، التي تشكل العمود الفقري لمسيرة النهضة العربية، اي لمسيرة الثورة الدائمة التي لا تأخذ معناها التاريخي ولا تكتمل الا بالوحدة والتحرير وانتصار الجماهير.

 

ميشيل عفلق

 

بغداد في  30 نيسان 1980

 

( 1 ) حديث خاص لمجلة وعي العمال لمناسبة الاول من ايار (عيد العمال العالمي).

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس