ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


 

الجيش هو جزء من الجماهير المناضلة

 

 

ايها الرفاق (1)

 

كنت باستمرار أتشوق الى هذا اللقاء، أرجو ان يكون ويعتبر بداية للتعارف، وان يتاح لنا في المستقبل لقاءات اطول، نتعرف من خلالها على نشاطاتكم ومدى التقدم والتطور الذي تحققونه للقوات المسلحة. أود ان اقول بأن الحزب يعطي الجيش أهمية كبيرة. في تصور الحزب الاساسي وفي نظرته للجيش مكانة خطيرة. وكان اهتمام الحزب العملي بالجيش قديماً. بعد تأسيس الحزب بقليل بدأنا نهتم بالكلية العسكرية في سورية، وبتوجيه شباب الحزب الى دخول الكيلة العسكرية لأن الحزب كان في دراسته  للواقع العربي يرى بوضوح ان الجيش إما ان يكون مع الجماهير العربية الكادحة التي يرجى منها ان تحمل العبء الأكبر في النضال وفي بناء المستقبل العربي. اما ان يكون في صفها او يستخدمه الاعداء لضربها، لضرب الثورة، لضرب النضال والمناضلين، فاذن النظرة الأولى كانت وهي في اعتقادي صحيحة، أنه لا يمكن ألاّ نهتم بالجيش لا يمكن ان نكون حياديين أمام الجيش. كل جيش عربي من واجب الحزب ان يكون له موقف منه وخطة  لكسبه الى قضية الأمة. حتى لا يبقى أداة في يد الرجعية، وفي يد عملاء الاستعمار وفي يد المغامرين الانتهازيين لضرب حركة التحرر والتقدم والوحدة العربية.

 

كذلك كان للحزب نظرة الى الجيل العربي الجديد كما تعرفون. هذا الجيل العربي الجديد الذي أخذ الحزب على عاتقه تربيته وتنشئته ولو انه يتعثر احيانا في القيام بهذه المهمة التي هي فعلا كبيرة وشاقة وتتطلب الابتكار والابداع والصبر الطويل. هذا الجيل العربي الجديد لا يجوز ان يكون على نوعين عسكري ومدني. يجب ان يكون موحدا، موحد النفسية، موحد العقلية، موحد الممارسة والنشاط والاهداف.

 

وبما ان للجيش تقاليده المعروفة في كل بلاد العالم، فكان طموح الحزب، ان يدخل الى هذه التقاليد نفسا جديدا مستلهما من فكر واهداف النهضة العربية الحديثة. ان تقوى النواحي الايجابية في تقاليد الجيش وان تعالج النواحي السلبية بهذه الروح الجديدة. كما ان تربية الشباب الذين لا يدخلون الجيش، الا لفترة قصيرة، فترة خدمة العلم، الذين يبقون في الحياة المدنية وهم الكثرة يجب ان تدخل في حياتهم بعض الصفات التي تقربهم من الحياة العسكرية. وهي الصفات النضالية والجدية التي يتسم بها الايمان بعقيدة وبنضال ثوري طويل النفس فعندها نضيق المسافة ونقرب بين نوعين من الحياة نتمنى ان يتوحدا توحدا كاملا.

 

ولعلي لا اكون مخطئا اذا قلت بان العراق قد نجح الى حد جيد بالسير في هذا الاتجاه، وهو مؤهل لان يسجل نجاحا اكبر. وان يتكون فعلا جيل عربي موحد فيه كل المزايا الايجابية للحياة العسكرية وكل المزايا الايجابية للحياة المدنية في آن واحد وعندما اقول الحياة المدنية اقصد بالدرجة الاولى النضال الشعبي الذي يستمد قوته وروحه من فكرة الحرية من الشعور بالحرية وبالمسؤولية من تحسس المهام القومية والاجتماعية ومن الاندفاع في سبيل تحقيقها وتحمل المشقة والتضحيات. النضال الشعبي فيه هذا الطابع الحر، ولو ان النضال أمر جدي وخطير ولا يسمح بالفوضى ولا يتساهل في الاخلال بالنظام. وانما يبقى فيه هذا النفس العفوي المندفع. واذن، هناك مجال للتفاعل بين الجوين وللتداخل بينهما. وعندها يكون الجيش جزءا من الجماهير المناضلة من الجماهير الكادحة، جزءا ليس بينه وبينها غربة او فاصل اوتناقض وانما تكامل وتعاطف وألفة وتساند في اوقات الخطر والقيام بالواجب القومي. هذا بالنسبة لتنشئة الجيل الجديد سواء في الجيش او الحياة المدنية. ولكن هناك دوما جيلا قديما ولا بد من مواجهة هذه المفارقة، هذا التصادم في العقلية واحيانا في المصالح. الا ان الحزب ينظر الى هذه الناحية نظرة الثقة بالنفس والثقة بالآخرين والتفاؤل بمعدن الإنسان العربي. وانه ما عدا الاستثناءات القليلة، ما عدا قلة تكون مستعبدة لأهوائها، لعاداتها، لمصالحها الضيقة، فالجيل القديم هو ايضا من هذه الارض من هذا الوطن من هذه الامة، وببعض التكيف في الاسلوب، في اسلوب التعامل نستطيع ان نخلق صعيدا مشتركا بيننا وبينه وان نحرك فيه أوتار الوطنية والإرتباط القومي والاستعداد للتضحة. ولذلك مع رؤيتنا الواضحة لواقع مجتمعنا، وبان هناك قديما وحديثا، مسنا وشابا، لكن علينا ان نتزود بقدر أكبر من التفاؤل والمحبة، وان لا نجعل من هذه الفوارق حقائق واقعة فانها تزداد رسوخا وتتضخم، اذا صنفناها هكذا، وان علينا ان نعتبرها أشياء قابلة للاصلاح قابلة للتحسين وللتطوير.

 

ايها الرفاق

 

قلت ان هذا اللقاء هو للتعارف واقول لكم بأنني كنت دوما متشوقا اليه، لهذه الأهمية التي نعطيها للقوات المسلحة العربية وللآمال الكبيرة التي نعلقها على الجيوش العربية التي نتطلع الى اليوم الذي تصبح فيه الجيش العربي الموحد. وانا وان كنت لم اجتمع بكم في الماضي، وان كنت بعيدا فقد عرفت كما عرف الشعب العربي في كل مكان ببطولات جيشنا في العراق بمساهمته الجبارة البطولية في حرب تشرين، بما يقوم به من مهام عظيمة، بتصديه لحركة التمرد في الشمال من اجل تحقيق وحدة التراب والوطن في العراق ووحدة الشعب ولكي لا يبقى اي منفذ للاستعمار وللعملاء وللصهيونية في هذا القطر المؤهل لان يضطلع بالدور الوحدوي العظيم. فلقد كان العراق قبل نشوء حزب البعث، قطرا تراوده هذه الاحلام القومية الجليلة، تراوده هذه الاحلام ووضعه السياسي والاجتماعي على ما كان عليه من الفساد والسوء والاختلال فكيف لا تنمو وتكبر هذه الاحلام وتتحول الى حقائق بعد ان دخل حزب البعث في حياة العراق وتأصل في ارض العراق وانتشر في جو هذا القطر ودخل النفوس والعقول وبعد ان وصلتم بنضالكم وبحماسكم وبصبركم وتحملكم للتضحيات وصلتم الى الحكم، واستطعتم في مدة تعتبر قصيرة في عمر الثورات ان تنهضوا بهذا القطر بشكل بارز المعالم وما تزال روح الثورة تتأجج في هذا الحزب وفي جميع منظماته وعلى كل المستويات كما ألمس ذلك. ويتفجر بالتالي العراق، بالانتاج والابداع وبالتقدم السريع. ولكن طموحنا يبقى أكبر من هذا الذي وصلنا اليه. طموحنا تعرفونه ايها الرفاق هو الوحدة العربية والوحدة الكبرى التي تقلب هذه الأوضاع المريضة في الوطن العربي تقلبها قلبا وتحول هذا الوطن العربي المجزأ الى قوة حضارية متفجرة يمكن ان تغير وجه التاريخ.

 

24 تشرين الاول 1974

 

(1) حديث الى المكتب العسكري والفرع العسكري في 24/10/1974.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس