ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


بالعلم نتكافأ مع الأخطار التي تهددنا

 

 

 

إنها لفرصة سعيدة أن التقي برجال العلم (1)، العلم الذي يلتصق بالحياة، بحياة الشعب، بحياة المواطن ويستمد من هذا الإلتصاق ومن هذه المعايشة لحياة المواطنين أبناء شعبنا عمقاً انسانياً.. قلت أيها الإخوة بأن العلم الذي تمارسونه وتقفون حياتكم وأوقاتكم عليه يتميز عن غيره من فروع العلم لأنه ملتصق بحياة الشعب والإنسان والمواطن العادي، ولذلك فهو مغموس بالروح الإنسانية لأنه قريب من آلام الإنسان، ومن أمراضه. وهذا في رأيي هو العلم الكامل وقد تصورت الطب

دوماً، والطبيب بأنه يمكن أن يكون نموذج الإنسان الكامل، لأنه لا يقوم بالأبحاث المجردة في الغرف المعزولة وإنما يدخل الى أعمق أعماق الواقع الإنساني، وهو في حقيقته المثلى التي يجب أن يطمح إليها كل طبيب وكل عالم بالطب ان يكون ملماً بكل نواحي الحياة لأن معالجة المريض لا تقتصر على ناحية واحدة، لا تقتصر على معالجة ناحية من جسمه وإنما كما تعرفون، ولا أزيدكم بذلك علماً انها معالجة شاملة لنفسية المريض قبل جسمه وبنيته العضوية  تتطلب فهما عميقا وشاملا للنفس الإنسانية،  تتطلب الماماً بالنواحي الروحية والاخلاقية والاجتماعية، تتطلب حنواً وحدباً على المريض الذي هو مواطن وإنسان وأخ في الوطن والقومية والإنساية.

 

إن هذه النهضة التي يسجلها عراقنا، القطر العربي الأبي، رمز الطموح منذ القديم، ان هذه النهضة تختصر الزمن مسافات واسعة، وتكون للعروبة طليعة سليمة مجهزة بالعلم وبالصحة السليمة وبالفتوة وبالروح الشابة الشجاعة، المبادرة. وكل هذه الصفات وأكثر منها مطلوب في معركة العروبة لأننا لن نتكافأ بدونها مع الأخطار التي يهددنا بها أعداؤنا الإستعماريون والصهيونيون في معركة بقاء أو فناء، هذه الصفات هي المطلوبة وهي التي تستطيع أن تستخرج من الشعب العربي، من الجماهير العربية أقصى إمكاناتها، أقصى قدراتها وكفاءاتها لكي تصمد ولكي تنتقل من الدفاع الى الهجوم. والأمة العربية غنية بقدراتها، بطاقات أرضها وأبنائها، غنية بأمجادها وبتراثها وبذكريات ماضيها الحافزة. وعندما تتوافر القيادة الحكيمة التي تؤلف القلوب وتوحد الجهود وتوضح الطريق، فالكل مهيأ ومستعد أن يتبارى ويتسابق في خدمة هذا الوطن وفي سبيل قضية هذه الأمة. وقد رأينا لمحة خاطفة من قدرة أبناء أمتنا في هذه الحرب القصيرة الأخيرة - حرب تشرين- التي تآمروا عليها وخنقوها قبل ان تأخذ مداها ولكن الأمة العربية رأت والشعب العربي رأى في أيام معدودة ماذا يستطيع أبناؤه ان يفعلوا من بطولات ومعجزات، ولذلك لم يعد مهماً أن يخطط للمؤامرات وأن تتآمر بعض الحكومات طالما أن هذه الرؤية واضحة  طالما أن الشعب العربي من المحيط الى الخليج رأى وشاهد طريقه وآمن أن في قدرته أن ينتصر عندما يتوحد وعندما ينطلق دون قيد أو عائق، عندما ينطلق على سجيته ومع عقيدته، ولذلك فإن ما تحققونه أيها الاخوة الأساتذة في هذا المجال هو جزء هام وخطير في معركتنا الشاملة، إنكم تقومون بعمل جليل عندما ترفعون من مستوى المواطن العراقي في مجال الصحة، عندما يدفعكم طموحكم الى أن تبنوا مؤسسة في مستوى المؤسسات في أرقى الدول، هذا نموذج من الطموح العربي. فأنا سعيد بالإطلاع على جهودكم وعلى هذه النتائج التي وصلتم اليها والتي لن تتوقف عن النمو والتقدم.

 

ولكم مني كل تقدير ونرجو لهذا القطر العزيز أن يبقى في طليعة أقطارنا وأن يكون دوماً هو الرائد وهو القائد.

 

23/6/1974

 

(1) كلمة الرفيق القائد المؤسس بالأطباء العاملين في مدينة الطب في 23/6/1974.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس