ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الخامس


شمولية فكرة البعث حاجة حياتية قومية

 

 

انني سعيد جدا بهذا اللقاء(1) وما سمعته عن نشاطاتكم وجهودكم فهو شيء مطمئن يبعث على الامل والتفاؤل بمستقبل زاهر لهذا الحزب ولهذا القطر. ترون ايها الرفيقات والرفاق كيف ان الدأب والتشبث والاستمرار يكون تجربة ويغنيها يوما بعد يوم. حزبنا في العراق تميز دوما بالدأب، بالتشبث بالارادة القوية  بفهمه الجدي العميق لمسؤولياته القومية  فرغم كل الفترات المظلمة التي مرت بالحزب وبالقطر رغم النكسات لم يحدث انقطاع، لم يحدث توقف كان دوما هناك من ينبري لحمل المسؤولية، وقد يخسر الحزب اعدادا ولكن لا يلبث ان يسترجع وزنه الشعبي ويتكاثر لأن الشعور بالمسؤولية كان دوما حافزا في هذا الحزب حسب معرفتي بتاريخ الحزب في العراق ومتابعتي لنضاله أذكر له هذه الميزة الكبيرة. حصل احيانا فترات قصيرة من البلبلة ولكن بقي من يمثل الحزب، بقي دوما عدد قليل يتابع  المهمة ولا يلبث البناء ان يرتفع حول هذا العدد القليل وهذا مدعاة للاطمئنان وللاعجاب ايضا.

 

بالنسبة للرفيقات لاشك ان ثمة فرقا كبيرا بين النتائج التي وصلن اليها الآن وبين البدايات الصعبة. وقد اجتمعت قبل اربع سنوات كما اذكر ببعض الرفيقات في لبنان وكن يشكين من التعثر في العمل النسوي ومن قلة العدد ومن المعوقات الموروثة ولكن الميزة التي تحدثت عنها الآن  هذه الميزة ليست وقفا على البعثيين في العراق وانما تشمل البعثيات ايضا فقد برهن دوما على الدأب والاستمرار والشعور الجدي بالمسؤولية.

 

هناك مجالات خاصة بالنساء للعمل النسوي وهي مهمة صعبة وجليلة نظرا للتخلف الذي يعاني منه مجتمعنا، فهذه المجالات التي دخلتموها والتي تتابعونها بصبر ونفس طويل لاشك انها اساسية في تطوير مجتمعنا رغم مظاهرها البسيطة. هذا العمل سواء في المدينة او الريف وهذا التراكم يبني التجربة يوما بعد يوم، التجربة النضالية والتجربة التقدمية الحضارية.

 

لابد ان اذكركم بشيء لا تجهلونه بل تعرفونه وتحيونه دوما هو ان الشيء الذي يعطي هذا العمل اليومي الدؤوب الروح والحرارة والافق الحضاري والتاريخي، انما هو عندما يخوض الحزب المعارك القومية وعندما يطرح الحزب اهدافه القومية المصيرية عندئذ تأخذ ابسط الاعمال اليومية معنى آخر رائعا ومعنى عميقا يستثير حماس النفوس ويكون معادلا لأكبر توعية واكبر تثقيف، هو هذا الربط بين السير الحزبي اليومي في طريق التقدم في شتى المجالات وبين الاهداف القومية الكبرى، ويجدر بنا ان نتذكره دوما خاصة في هذه الظروف التي تعرفون الى اي حد هي حاسمة والى اي حد يتقرر على نتائجها مستقبلنا كأمة عربية.

 

والعراق مطالب بان يكون الطليعة في هذه الظروف العصيبة وفي مواجهة هذه الاخطار الداهمة ولذلك ترون بان شمولية الفكرة في حزبنا هي شيء حي لم يكن شيئا نظريا ولا ترفا فكريا وانما حاجة حياتية، هناك يجب ان يبقى تفاعل مستمر بين النضال القطري المحلي اليومي المطلبي وبين الاهداف القومية الكبرى خذوا مثلا هذه الحرب الاخيرة حرب تشرين اعتقد بان مساهمة العراق فيها تلك المساهمة القومية التاريخية، مساهمة الجيش العراقي التي ذكرتنا بالبطولات العربية القديمة، لاشك انها عكست جوا على كل اعمالكم ونضالاتكم الحزبية واليومية واعطتها هذا المعنى الجديد الرائع اذن عندما نظل امناء لاهدافنا القومية البعيدة لايعود ثمة خطر او خوف ان يسقط عملنا اليومي في الروتين، في التكرار، في الملل وانما يأخذ معناه العميق الحقيقي في المسيرة التاريخية.

 

واذكر انه بالنسبة للرفيقات وما يلاقين من صعوبات ومعوقات هي طبيعية في مجتمعاتنا بان الاحداث القومية الكبرى والمعارك القومية تختصر الزمن، تختصرعشرات السنين في ايام، وتذوب وتنصهر امامها هذه المعوقات اذ تتحرر النفوس والارادات باكتشافها لواجباتها القومية وبقيامها بهذه الواجبات وبتحقق الكثير من المساواة التي تطمح المرأة العربية اليها في جو المعارك والاحداث القومية المصيرية خاصة اننا في ظروف مصيرية ستزداد مع الزمن عمقا واتساعا بعد ان ظهرت في الحرب الاخيرة هذه القوة العربية التي كانت كامنة والتي ارجعت الثقة الى النفوس والتي سببت الذعر للعدو الامبريالي الصهيوني فشدد من تآمره ومن حشد وسائله التخريبية، ولكن الشعب العربي مصمم ان يواجه هذه الاخطار الجديدة بالعزم ولتهيئة الوسائل المتكافئة معها خاصة انه خرج من المعركة الاخيرة مرفوع الرأس واثقا بنفسه داخلا معركة حضارية جديدة اعترف له العالم أجمع بجدارته بدخولها.

 

ايها الرفاق

 

لايسعني الا ان  اقدر عملكم في كل المجالات، في المجال الطلابي وفي مجال الشباب وفي المجال المهني وانا مطمئن الى ان تجربتكم تنضج بسرعة تثير الاعجاب وليس عندي ما اقوله لكم في هذه المجالات الا ان اتمنى لكم كل توفيق لخير عراقنا الحبيب ولخير امتنا العربية.

 

21حزيران 1974

 

(1) حديث مع اعضاء المكاتب التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة العراق  والاتحاد العام لشباب العراق والإتحاد العام لنساء العراق في 21/6/1974.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الخامس