ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


كلمة في الحفل التأبيني للشهيد صلاح الدين البيطار

 

ايها المناضلون الاحرار

أحييكم تحية العروبة والنضال وأرحب بكم باسمي وباسم رفاقي في الحزب لمشاركتكم في هذا الحفل القومي لتأبين شهيدنا العزيز صلاح الدين البيطار.

لقد جئتم الى بغداد من اقطار العروبة من مصر ومن المغرب العربي ومن لبنان ومن اقطار أخرى، وهذه المشاركة تجسد المعنى الذي نشأ على أساسه الحزب واستشهد من اجله صلاح الدين البيطار، فيه استذكار لمعان وقيم عميقة في نضالنا القومي، وفيه مراجعة صادقة وموضوعية لمسيرة تاريخية امتدت عدة عقود من الزمن، وفهم لحقائق اساسية في واقعنا العربي، كما فيه ذلك الالهام والتحفيز للانطلاق في المعركة التي استشهد فيها صلاح الدين البيطار والقضايا التي عاش ومات من اجلها.

فالاستشهاد اشبه شيء بالانفجار يضيء ويحرق كل ما حوله، هو هزة عنيفة تسلب الراحة وتقضي على الحذر وتعصف بالطمأنينة والاستقرار وتشيع في النفوس القلق المقدس، هو نور يشق ظلمات اليأس ويفتح للأمل نافذة بعرض السماء. ومهما يمعن القتلة المتسلطون في ارهاب الشعب بارتكاب المذابح والكبائر والمنكرات تبقى الكلمة العليا للحق والشرف والمبادئ عندما يقدم انسان حي الضمير، أبي النفس، على التضحية بحياته فداء لهذه القيم والمبادئ.

وكما ان الاستشهاد تركيز عنيف لانتباه الناس وهز لضمائرهم حول موضوع خطير لم يكونوا يقدرون خطورته، بينما يعتبره الشهيد جديرا بان يقدم حياته ثمنا للدفاع عنه، فهو ايضا تسليط لضوء ساطع على حياة الشهيد نفسها ليس في خاتمتها فحسب وانما رجوعا الى الوراء من هذه الخاتمة الى الماضي الطويل الذي سبقها والذي كان التمهيد الطويل والبناء المترابط الموصل الى تلك الذروة.

لقد اراد له القدر كما اراد هو لنفسه وهو المناضل الشيخ الذي ملأ حياته بالفكر والعمل ان يضيف صفحة أخيرة متألقة الى صحائف سفر طويل جليل كان يمكن ان يختتم ويظل محتفظا بقدره وقيمته حتى بدون هذه التضحية الاخيرة.

لقد اراد ان يضع حياته ثمنا لانتصار الفكرة واحقاق الحق، وبهذا الحدث سوف يبدأ تاريخ جديد بالنسبة الى نضال الشعب في القطر السوري وبالنسبة الى موقف الرأي العام العربي والعالمي من قضية سوريا ونكبة شعبها بحكامها المتسلطين. كانت عروبته محور تفكيره وشعوره يعيشها بوجدانه حبا وحنانا لكل العرب ويعيشها بعقله تحليلا ونقدا وتخطيطا من اجل تغيير الواقع العربي المتخلف وبناء المستقبل الحضاري للأمة.

عاشت الأمة العربية في وجدانه بهمومها ومشاكلها وتطلعاتها بماضيها وحاضرها ومستقبلها مثلما سيعيش هو بعد اليوم في وجدان ابنائها واجيالها المقبلة. اعد نفسه للقيادة والحكم كمن يتوفر على دراسة علم من العلوم أو فن من الفنون بكل ما تتطلبه الدراسة من جدية وجهد ونزاهة وشغف ورغبة في النجاح والتفوق، وجعل مقاييسه حضارية لا سياسية، وعالمية لا محلية، وبلغ في ثقافته السياسية مستوى كبار الساسة في العالم وكان عارفا قدر نفسه وواثقا من كفاءته لا يرضى الا ان يضعها في خدمة امته ووطنه وفي المكان اللائق بها. وكان منشأه البعثي النضالي وتربيته العربية الاسلامية يضفيان على ثقافته السياسية وكفاءته القيادية عنصرا روحيا خاصا يمتاز به عن رجال السياسة في الدول الاجنبية فهو عربي وأمته امة الرسالة والشهادة.

والحكم عنده رسالة او شهادة وقد راهن الرهان الأخير عندما واجه مسؤوليته أمام محنة شعبه في سوريا، إما ان ينقذ الشعب بحضوره الحسي الفكري والعملي، او يذهب شهيدا للحق ويخلد في ذاكرة الشعب ويصبح مشعلا هاديا لطريق الحق والثورة والفداء.

قبول الشهادة لا يتاح الا للصفوة من المناضلين المؤمنين الذين أينعت فيهم الصفات والكفاءات العالية التي تحلى بها الشهيد والتي كانت صورة حية للحركة الثورية التي شارك في بنائها، هو ليس قبولا للشهادة بقدر ما هو إقبال عليها ووصول إرادي اليها، وبلوغ لها يساوي تبليغ الرسالة، يكمله ويتوّجه. موقف من الحياة هو نفسه موقف من الموت. الموت كجزء اصيل من الحياة ومرآة لها. ان حدث استشهاد صلاح الدين البيطار يطرح في آن واحد محنة سوريا والمأساة التي يعيشها شعبها، كما يطرح ماضي (40) سنة من تاريخ حزب البعث العربي وتداخل هذا التاريخ مع تاريخ سوريا والقضية العربية في هذه الحقبة من الزمن.

في كل عمل من المستوى التاريخي يكون ثمة عنصران، الشخص والقضية. وقد كانت للأخ الحبيب والرفيق العزيز صلاح الدين البيطار مساهمة أساسية في تكوين حزب البعث كفكر وكحركة، وقد سبق تأسيس الحزب ما يقارب الـ (عشر) سنوات من العلاقة الشخصية والفكرية والرفقة اليومية التي خلقت نوعا فريدا من التفاعل والتكامل بين شخصين ظلت لكل منهما شخصيته المستقلة المتميزة.

كان بدء التعارف في ديار الغرب أثناء الدراسة الجامعية ولم يلبث التعارف ان اصبح التقاء حميما وصميميا على جملة افكار ومواقف ووجهات نظر سلوكية ووطنية ونظرات متوافقة في الادب والفن والاخلاق، وبعد انتهاء مدة الدراسة وعودتنا الى الوطن للتدريس ابتدأت مرحلة جديدة عملية.

وقد كنا مصممين على جعل مهمتنا في التعليم مجالا للتبشير بأفكارنا الوطنية والقومية، وبالاتجاه التحرري الاشتراكي الذي آمنا به، وان نجسد ذلك في سلوكنا ومواقفنا مع الطلاب وضد السلطة الاجنبية المستعمرة والاجهزة المحلية الموالية للاجنبي او المستسلمة له.

كما كنا مصممين على اتخاذ الكتابة وسيلة للتبشير بتلك الافكار. كانت السنوات العشر التي سبقت تأسيس الحزب سنين خصبة عميقة الأثر وقد كانت تجمع الى الشعور بالمسؤولية والالتزام بخط مبدئي شعورا ثمينا بالحرية والرحابة.

لا اقول اننا كنا نتلمس الطريق، فمنذ النصف الثاني من الثلاثينات كانت طريقنا واضحة الى حد كبير في تحديد أهداف الأمة في الوحدة العربية وفي الحل الاشتراكي بالأسلوب الثوري والمنطق الجذري الحاسم، والرفض التام للواقع السياسي العربي والدعوة الى الانتفاض على مرحلة وعقلية وطبقة اجتماعية. ولكننا كنا نتلمس مدى استعدادنا للاضطلاع بالتزام يقرر منهج العمر بكامله. وعندما حزمنا أمرنا في بداية الأربعينات وجدنا في الوسط الطلابي وفي الاوساط الشعبية فيما بعد، تجاوبا عفويا قويا دل على نضج المرحلة لتقبل حركة في المستوى الفكري والسياسي والتنظيمي الذي كنا نطمح اليه، فالشيء الجديد بالنسبة الى المجتمع لم يكن جدة الافكار بقدر ما كان المستوى الذي طرحناه لوضع تلك الافكار موضع التطبيق في النضال الشعبي.

ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم كانت مسيرة حزب البعث هي التمسك بالخط القومي الثوري الاشتراكي الذي اخترناه ورفض اي تفريط بحق من حقوق الأمة وعدم الرضوخ لأي إغراء معنوي او نفع شخصي، وكان الحزب يختار اصعب المهمات والمعارك القومية بإرادته وكان دوما في طليعة المعارك القومية وفي قلبها وصميمها.

وكان هناك دائما لدى البعثيين الحقيقيين شيء ثمين في الشعور وفي الفكر، وذلك ان بينهم وبين الأمة عهدا يربط حياتهم كلها، لهم طريق ينبع من وجدانهم ولا يمكن ان يتراجعوا عنه او يحيدوا. كل مغريات الدنيا لا تكفي ولا تغني عن حياة المبدأ، هذا الطريق هو ايضا طريق الشعب، ولا يمكن أن يسير البعثيون في طريق والشعب في طريق أخرى.

اما المستحيل في نظرهم وما يعادل الكفر فهو أن يقفوا ضد الشعب وان يوجهوا اسلحتهم الى صدور ابنائه. خير لهم ان يكونوا مظلومين من أن يكونوا ظالمين.

هذا هو الخط التاريخي، الخط الاصيل، الخط الاخلاقي، خط الوحدة العربية، خط النضال الشعبي والشعب المناضل، خط الحرية والكرامة والانسان العربي الحر، خط رفض التفريط بأي حق من حقوق الأمة مهما يكن النضال شاقا وطويلا، وكان هذا خط الاستاذ الشهيد صلاح الدين البيطار.

فكرة ثمينة واستعداد خالص واندفاع فتي لحملها وتجسيدها في حركة، ولكنها تصطدم بواقع قاس منذ خطواتها الاولى، وكانت كلما تقدمت ودللت على قابليتها للنمو والانتشار تتضاعف الافتراءات ومحاولات التشويه ليس من الاستعمار واعداء الأمة فحسب بل من بعض تلك الاوساط المحسوبة على القومية والتقدمية ايضا.

تريد عزلها عن الجماهير العربية الواسعة والحد من قوتها وانتشارها، وكان هذا الصراع من اجل البقاء بينها وبين محاولات العزل والتشويه احد مقومات ثوريتها ومحرضا ودافعا لكي تزداد التصاقا بالشعب وتفانيا في الدفاع عن حقوقه.

وقد انتشرت هذه الحركة القومية الثورية في عديد من الاقطار العربية وحمل شعلتها مناضلون مؤمنون واجهوا الظروف الصعبة والتحديات الخطيرة وصنوف الظلم والتعسف، ومنذ عهد مبكر وجدت الحركة في العراق ارضا خصبة وشبابا عربيا مؤمنا ومقداما حمل لواء فكرة البعث وناضل تحت رايتها نضالا رائعا وباسلا، وكانت ظروف العراق القاسية وموحيات تاريخه المجيد منذ ايام الرسالة العربية الاسلامية تدفعه الى النفاذ الى جوهر فكرة البعث والى الرسالة التي يمكن ان تؤديها في هذا العصر الى العرب والعالم، فتصدى للمسؤولية على عظمها وحمل الأمانة رغم جسامتها، وجاءت ثورة (17) تموز فنقلت هذه العلاقة بين البعث والعراق الى مستوى جديد.

 

ايها المواطنون الاحرار

ايها الاخوة الكرام

وتمر السنون وينتقل البعث من نضال الى نضال محققا الانتصارات الكبيرة المتتابعة من المساهمة في حرب فلسطين عام 1948 ضد اقامة الكيان الصهيوني، الى محاربة النفوذ الاستعماري وسياسة الاحلاف العسكرية والنضال ضد العهود الرجعية والدكتاتورية، الى العمل الجماهيري من اجل الديمقراطية والوحدة وحتى قيامها في 22 شباط عام 1958 متمثلة في الجمهورية العربية المتحدة مع القطر المصري بقيادة البطل القومي جمال عبد الناصر.

وكان البعث يقدم التضحيات ويخوض المعارك من اجل الجماهير الشعبية والقضايا القومية، دون ان ينتظر مكافأة او تثمينا لذلك سوى نيل شرف خدمة الجماهير العربية والتعبير عن ارادتها. وكان الاستاذ صلاح الدين البيطار مجليا في كل هذه المعارك. كان حاضرا في حرب فلسطين وفارس الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة في مقالاته الخالدة في جريدة (البعث) وركنا اساسيا في بناء وحدة سوريا ومصر، تلك الوحدة التي كان يوم إعلانها بالنسبة لكلينا أحلى ايام العمر على الاطلاق.

 

ايها الاخوة والاصدقاء.. ايها الرفاق

لقد ولد الحزب في مناخ قومي انساني حضاري، وقاوم منذ البدء كل النزعات اللا قومية والمتخلفة كالاقليمية والعشاثرية والطائفية ودعا، الى وحدة ابناء الأمة على اساس الرابطة القومية ذات المحتوى الانساني والثوري. وبعد قيام حركة 8 آذار سنة 1963 في سوريا بدأنا نسمع الناس يتحدثون عن حالة شاذة وغريبة عن الحزب وعقيدته وممارساته تلك هي نزوع عدد من الضباط الذين شاركوا في حركة آذار ووصلوا الى مراكز قيادية فعالة تحت غطاء الحزب، نحو تكتيل عدد من الأعوان على اسس طائفية وتوجيه الاحداث في البلاد على هذه الأسس البغيضة، وفي البداية كنا نرفض ان نصدق ذلك.

وتصورنا ان في ذلك محاولة من الأعداء للتشهير بالحزب والثورة لأن (20) سنة قد مرت على الحزب قبل انقلاب آذار ولم تنشأ فيه مثل هذه الظاهرة، وكان بين البعثيين من أبناء سوريا من المنتمين الى الطائفة العلوية، قادة ومناضلون بارزون، وشيئا فشيئا صرنا نلمس حقيقة هذه الظاهرة التي نشأت ابان حل تنظيم الحزب في القطر السوري وفشل تجربة الوحدة مع مصر التي خلقت أوضاعا سلبية ومريضة لدى بعض الحزبيين، وفي سوريا عموما، فاستغلها هذا النفر من العسكريين المتآمرين والمغامرين لانتهاج هذا السبيل المنحرف والعمل من خلاله للاستيلاء على الحزب والبلاد.

ولما لم تجد كل وسائل الحوار والاقناع والردع بالعقوبات الحزبية ضد هؤلاء، وتأكدنا من تصميمهم على تنفيذ مخططهم الخبيث، وقفنا في وجههم بشكل حاسم لا يقبل الالتباس ولا التردد، حرصا على سلامة خط الحزب وإنقاذا لمستقبله، وصيانة لمصير البلاد من هذا الخطر المزدوج، خطر الطائفية السياسية البغيضة والتسلط العسكري. ولجأت هذه الفئة الى التآمر واغتصاب السلطة، وضرب الحزب بقوة السلاح، وصار واضحا لأصغر مناضل في الحزب ولأوساط واسعة من الشعب ان السلطة في سوريا أمست في قبضة فئة عسكرية ومدنية ذات نهج طائفي تستغل طائفة معينة في البلاد استغلالا خبيثا لبسط تسلطها وتحقيق مآربها مستفيدة من نفر من الأتباع المنتفعين الذين لا يملكون من حقيقة السلطة الا القشور، ورغم ذلك فقد عز علينا ان نشير صراحة الى هذه البدعة في تاريخ سوريا وفي تاريخ حزب البعث، فسمينا انقلابيي (23) شباط بالقطريين. وقد كانوا بالفعل كذلك لانهم تآمروا على وحدة سوريا ومصر وتآمروا فيما بعد على كل مشروع وحدوي سنحت فرصته، وكان آخر تآمر لهم على الوحدة قبل اقل من عامين عندما اقتضت ظروف مقاومة المؤامرة التي تمخضت عن اتفاقية كامب ديفد، ان تجمع اكبر عدد من الدول العربية في موقف موحد رافض لخيانة السادات وإقدامه على عقد الصلح مع العدو الصهيوني.

وكان الميثاق القومي بين ثورة العراق والنظام السوري، ثم مشروع توحيد القطرين، فاعتبرنا ان فرصة ثمينة عرضت لذلك النظام لكي يخرج من المأزق التاريخي الذي يحاصره ويصحح ما فيه من أمراض وانحرافات ويكسب شرف المساهمة في أنبل وأعلى انجاز وحدوي هو أمنية الجماهير العربية في كل مكان.

وجاءت الصدمة عنيفة مبددة للأحلام والأوهام كاشفة مرة أخرى عن الطبيعة التآمرية لهؤلاء الأشخاص وتضحيتهم بالمبادئ والأهداف القومية العليا في سبيل سلطتهم الشخصية، وتأمين مصالحهم الخاصة ولو على حساب دور سوريا القومي، ولو ضد ارادة الشعب الصريحة الواضحة.

وكان طبيعيا ان يكون فشل مشروع الوحدة عاملا جديدا اضيف الى عوامل عديدة للاستياء الشعبي الذي اخذ يعبر عن نفسه بجرأة متزايدة ضد هذا النظام المتسلط والمنحرف. ورد النظام المتسلط والمعزول بالقمع الوحشي والمذابح الجماعية في المدن والقرى بشكل لم تعرفه سوريا في احلك العهود الاستعمارية، وقد توج هذا النظام المجرم اجرامه باغتيال الشهيد صلاح الدين البيطار، لان الشهيد كان في الأشهر الاخيرة الصوت المدوي الذي فضح جرائم ذلك النظام والضمير الحر الذي انتصر للشعب في محنته الرهيبة. لقد اراد النظام السوري من وراء جريمته الاخيرة النكراء ان يقول ويفهم الجميع بانه لن يتورع عن ارتكاب اي شيء في سبيل المحافظة على بقائه في كراسي الحكم ومغانمه التي يتمتع به، ولكننا كنا نعرف ذلك عنه منذ مؤامرة 23 شباط لأنه بتآمره على الحزب قد ارتكب كبيرة الكبائر.

ومنذ ذلك الحين لم نعد نستغرب شيئا مما يصدر عنه، لا تسليم القنيطرة بدون قتال للعدو الصهيوني في حزيران عام 1967، ولا ذبح المقاومة الفلسطينية في تل الزعتر، ومناضلي الحركة الوطنية اللبنانية عام 1976، وقد برهن هذا النظام انه فاقد لأبسط الضمانات الوطنية والاخلاقية، فمن اجل أي المثل والمبادئ وفي سبيل تحقيق أي البرامج والاصلاحات يجيز رئيس النظام السوري لنفسه ان يبقى في الحكم رغم رفض شعب سوريا لحكمه ونظامه؟ ومن اجل أي الاهداف القومية يجيز رئيس النظام لنفسه ان يقوم بالمذابح الجماعية للشعب وان يرتكب جنوده كل المحرمات والكبائر وهو ما لم يقدم عليه مستعمر غاشم في أحلك عهود الاستعمار؟

أربع عشرة سنة في الحكم منذ 23 شباط 1966، اربع سنوات كان فيها وزيرا للدفاع وركنا اساسيا في الحكم الشباطي ثم السنوات العشر الاخيرة هو الحاكم المطلق، فهل هذه المدة لا تكفي لكي يطبق الحاكم أفكاره ومشاريعه لكي يظهر من خلال هذه المدة ما عنده وما هو قادر عليه وما هو عاجز عن تحقيقه؟

فهل استطاع خلال هذه السنين العشر التي كان فيها الحاكم المطلق ان يكسب ثقة الشعب؟ واذا لم يستطع كسب ثقة الشعب فما عساه يستطيع تحقيقه دون هذا الشرط الاساسي؟ هل الحاكم المقبول من الشعب بحاجة لوضع نصف جيشه لمحاصرة المدن والقرى في بلده ودك ابنيتها بالمدافع على سكانها؟ هل يخاف الحاكم إن هو ذهب على وطنية الشعب العربي في سوريا، وهل يخشى فعلا على شعب سوريا ان يمشي في سياسة كامب ديفد، ام ان اصرار هذا الحاكم على البقاء في الحكم هو الذي يعرض سوريا للانقسام والتقسيم والحرب الاهلية التي هي شرط من شروط نجاح كامب ديفد والصلح مع الكيان الصهيوني وسيطرة هذا الكيان على المنطقة كلها؟ اننا نخاطب اولئك الذين يستغلهم النظام استغلالا خبيثا ضد مصلحتهم الحقيقية وضد مستقبلهم ومصيرهم وضد ارادة شعبهم وامتهم من اجل تأمين التسلط والانتفاع لافراد قليلين من اتباعه، كما نخاطب الذين لا يزالون يماشون هذا النظام ويسكتون عن جرائمه بدافع الخوف او عدم تقدير مسؤوليتهم الوطنية والقومية، ألم يحن الوقت لكي يكون لهم موقف جريء ينقذون به وطنهم وكرامتهم؟

واننا نقول لشعبنا الأبي في سوريا العربية اننا لن نتركه وحده في مواجهة هذا النظام الشعوبي الحاقد، ونعاهده على ان نجعل من تحرير سوريا بداية لنضال جماهيري متصاعد يصحح الأوضاع في الاقطار العربية ويقضي على خيانة السادات ويرجع مصر الى ساحة النضال القومي.

 

ايها الاخوة والرفاق المناضلون

هدف عزيز على كل حركة ثورية اصيلة هو ان توصل عن نفسها اصدق صورة الى جماهيرها، وان تنتصر على التشويهات والافتراءات التي يصنعها اعداؤها ويلصقونها بها، كما تسعى ان تتغلب على التشويهات والالتباسات الناجمة عن اخطائها او تقصيرها او غفلتها او عدم سيطرتها على نفسها او على منتسبيها.

وقد اردنا ان يكون حكم الحزب في العراق الصورة المشرقة للبعث في وجه الصورة القاتمة المريضة المشوهة التي يمثلها المتسلطون في سوريا.. أردنا ان تتجمع في حزبنا في العراق وفي ثورته المظفرة كل السمات العربية التي ميزت حركة البعث منذ ولادتها، وان تتعزز ثقة جماهير الأمة العربية بهذه الحركة التاريخية، وتميز بين الأصيل والدخيل وبين المنشأ الشرعي الصادق والادعاء المزيف الملفق. أردنا ان يجسد حزبنا في العراق هذه الحقيقة الناصعة الجوهرية التي قام عليها الحزب، وهي ان البعث لا يمكن الا ان يكون مع الشعب مدعوما بإرادة الشعب ومحاطا بحب الشعب، وان البعث بالتالي لا يمكن الا ان يكون ديمقراطيا مؤمنا بالحرية وبكرامة الانسان وبروح الأمة وأخلاقها ورسالتها. وقد كان على حزبنا ان يرفع صرح الحق ليدحض بنيان الباطل، ان يبرهن على كل ما في البعث من قدرة على البناء ليفضح العجز والفراغ والزيف في عمل المفترين على البعث المنتحلين لاسمه، ان نقدم البديل القومي الحضاري الاخلاقي ليس للاوضاع المتردية في سوريا فحسب بل صورة مصغرة عن المستقبل العربي وهي ما تمثله اليوم تجربة الحزب في العراق، تجربة حزب اصيل مناضل وقائد تاريخي هو الرفيق العزيز صدام حسين. ان في بعض اقطارنا العربية وفي القطر السوري بخاصة حالات متفجرة تقتضي من جميع الحركات والفئات والقيادات العربية تعميق وتطوير التشاور والتعاون وصولا الى العمل النضالي المشترك، كما تقتضي تحكيم المصلحة القومية العليا، والمقاييس القومية التقدمية، والنظرة العقلانية التي تستبق مخططات الاعداء من الامبرياليين والصهاينة وعملائهم وأدواتهم لتقطع عليهم طريق استغلال هذه الحالات وتنفيذ مخططاتهم الاجرامية في زيادة تمزيق قوميتنا وأواصر مجتمعنا.

 

ايها الرفاق الاعزاء

ايها المناضلون العرب الاحرار

لقد خسرنا باستشهاد صلاح الدين البيطار رفيقا عزيزا ومناضلا صلبا ومفكرا كبيرا وقائدا بارزا من قادة النضال القومي، واذا كانت خسارتنا باستشهاده فادحة الى أبعد الحدود، فان متطلبات الوفاء لشخصه وللقضية التي استشهد من اجلها تحتم علينا مواصلة العمل والنضال بدون تردد وبدون كلل من اجل القضية القومية، قضية تحرر الأمة ووحدتها ونهضتها الحضارية وتحرير ارضها المغتصبة.

لقد عمل صلاح الدين البيطار من اجل كل العرب وقد ناضلت سوريا وضحت كثيرا في سبيل العروبة، ومن حق صلاح الدين البيطار ومن حق سوريا على العرب ان يتحملوا مسؤوليتهم ازاءها وهي تعيش محنتها القاسية.

ان ما يجري في داخل سوريا ليس قضية حزبية، وليس صراعا بين تيارات سياسية، بل قضية شعبية، قضية قومية، تهم كل الاحرار من العرب، كل الشرفاء من ابناء الأمة الذين يرفضون الانحراف والتسلط والخيانة والذين يؤمنون بالانسان والشعب والأمة. اننا ندعوكم الى الانتصار لسوريا العربية التي انتصرت لمصر وللجزائر ولتونس وللخليج العربي ولكل جزء عزيز من أجزاء الوطن العربي، ندعوكم الى الوقوف بجانب شعبها الجريح، اننا لا ندعوكم الى موقف حزبي او موقف سياسي معين، انما ندعوكم الى موقف قومي عربي نابع من ضميركم ومن وجدانكم، من حرصكم على أمتكم وعلى سمعتها ومكانتها ومستقبلها.

والسلام عليكم.

 

4 أيلول 1980

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع