ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


الثورة الصحيحة واليمين واليسار

 

قلت في الكلمة الاولى (1) في هذا المؤتمر أن الحزب بحاجة ماسة لان يجدد نفسه، وهذا يعني أن حالة الحزب غير مرضية، وان فيه عللا وأمراضا وشوائب، وكنت في هذا واضحا: طالما الحزب هو المستقبل فكل جهودنا يجب أن تتجه لبناء هذا المستقبل.. و طالما الحزب يرشح نفسه لهذه المهمة، فمن حق الحزب كله أن ينظر ويدقق في أهلية هذه الفئة للمهمة التي ترشح نفسها لها. ومن حق الحزب أن يكون رقيبا وأن ينبه إلى الأخطاء، وفي هذا اعتراف بجدارة هذا الجيل، هذه الفئة، إن لم تكن بكل أعضائها فعلى الأقل في بعضهم. على كل، لا يداوى المرض بالمرض، لا نريد أن نتحرر من أساليب وعادات وأمراض في هذا الحزب لنقع في مثلها. فموضوع التكتل هو في الواقع الموضوع الخطير الذي يجب أن يسترعي اهتمام المؤتمر: يصف الإرشادات ويعين الحدود التي يجب أن يتم ضمنها تجديد الحزب، دون أن نتورط في مخاطر..

هذا شيء، وهناك شيء آخر: لقد أثار احد الرفاق عبارة ثوري أكثر من اللزوم، الخ.. وفي اعتقادي ان الإنسان لا يمكن أن يكون ثوريا أكثر من اللزوم، إلا إذا كان القصد من ذلك: أن هناك ثورية مبالغات وتطرف، هي في الواقع ليست ثورية صحيحة. المهم أن تتوضح في المؤتمر بعض الأمور: هل هناك فعلا في الحزب يمين ويسار هل هناك يمينية ويسارية؟ هذا ليس مستحيلا، بل هو مكن. في الأحزاب الثورية يمكن أن يوجد ميل نحو اليمين او تطرف نحو اليسار، ولكننا نريد أن نعرف إلى أي حد توجد هذه النزعات في حزبنا، إلى أي حد توجد مبالغات في هذه الأوصاف، ما هي الأغراض من وراء هذه المبالغات فيما إذا ثبت أنها موجودة؟

في الحياة الاجتماعية يمكن أن يوجد يمين ويسار، أما يمين ويسار في حزب ثوري اشتراكي كحزبنا لا يعقل أن يكون، بمعنى أن في الحزب إقطاعيين ورأسماليين، إلا انه يمكن أن يكون هناك اشتراكيون ثوريون واشتراكيون معتدلون، لنحدد ذلك: إلى أي حدود توجد هذه النزعة اليمينية وعلى من تنطبق؟ وما هي البراهين؟ وهل هناك مصلحة في تضخيم هذه الأشياء بقصد كسب، وصول إلى القيادات، والى الحكم. هل كل ما يقال عين الحقيقة وهو كلام نزيه موضوعي أم إن فيه الكثير من الاختلاقات والمبالغات؟ من هم الذين يتهمون الآخرين باليمينية؟ من هم الذين يتهمون البعض بالتطرف والثورية أكثر من اللازم؟ يمكن أن يلقي ضوءا.

أما منطقي أنا فهو أن يتشدد الحزب مع المناضلين، مع الذين يعلق عليهم الآمال، الذين فيهم كفاءات نضالية يجب إلا يسمح لهم الحزب بان يغتروا، وان يسترسلوا بالفردية وان يشتطوا في الأحكام وان يسلطوا الإرهاب على من يخالفهم في الرأي، لان هذا عاقبته وخيمة.

أكثر من ذلك وبصراحة أكثر، الحزب كان لمدة طويلة حزبا بعيدا عن هذه الأشياء والأساليب، إنه حزب نضالي يعيش في حالة توتر دائم ضد أعداء الأمة، أعداء الثورة، ويعيش في أجواء الكفاح المتزمتة النضالية الثورية، ثم تسلم السلطة وجسمه ليس فيه المناعة اللازمة للتحصن ضد أمراض السلطة، وإلا لما كانت كل هذه الاجتهادات الشخصية والتحليلات والمغالاة من قبل بعض الأعضاء بالنسبة للأوضاع السياسية. هذه الأشياء قد تتحملها أحزاب أخرى، ولكن حزب البعث لا يتحملها. لقد قلت بأن هناك مبالغات كثيرة، وأكثر من مبالغات: تشويه للحقائق. لقد سمعت كلمة في جلسة من الجلسات، فتذكرت أشياء، سمعت اقتراحا بمعرض بحث قضية فلسطين، انه يجب على المؤتمر أن يقرر تهديم الزعماء التقليديين الفلسطينيين لمصلحة القادة البعثيين الجدد. الدوافع قد تكون لمصلحة الحزب والمصلحة القومية، وقد لا تكون، ولكن الأسلوب غير صحيح. إذا اعتبرنا أن هذه القيادة الجديدة هي القيادة التي تتوافر فيها الحيوية وكل الشروط الثورية، يجب أن تصل، وترتقي، وتجتاز المراحل التي لا بد من اجتيازها.. إذا كان لها هذه الكفاءات يجب أن تفرض نفسها تباعا، ومن خلال النضال وخلال المواقف، لا أن نقرر انه يجب أن نحطم فلانا ونهدم فلانا، حتى لا يبقى إلا الحزب!

 

23 تشرين الأول 1963

(1) كلمة في الجلسة الخامسة عشر من جلسات المؤتمر القومي السادس.

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع