ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


عقلية التكتل

 

ايها الرفاق (1)

إننا مطالبون بأن ننظر الى الحزب نظرة جدية لنخدم المستقبل، لنساعد الحزب على التخلص من كل ما فيه من ثغرات، من نقص، من شوائب، لكي يكون في مستوى المسؤولية التاريخية، ومستوى تحقيق أهدافه في الوطن العربي كله.

الكلام خطير، واي خلل فيه او ابتعاد عن الحقيقة، او مبالغة او نقصان، يرتب مسؤولية كبيرة.

عندي ملاحظات، وسأقولها بدافع الحرص على الحزب بصورة خاصة.. أقولها مستهدفا ً البناء والإصلاح.

ولكي أساهم في خلق الجو الجدير بمؤتمر قومي لحزب البعث ينعقد في ظرف تاريخي هام، أحببت أن أسوق هذه المقدمة البسيطة.

في الحزب بوادر عقلية ونفسية ليست من طبيعته. وخوفا من ان تتضخم هذه الاشياء في المستقبل، كان من الواجب ان أشير اليها وأن أنبّه لكي نعالجها قبل فوات الأوان، لأنها سوف تشوه الحزب.

وليس من السهل التعبير عنها بكلمة واحدة.. أسميها عقلية التكتل، اسميها أحيانا عقلية او نفسية لا تعتمد على الإيمان بالإنسان العربي، بالشعب العربي، اسميها استهتارا..

وأحاول أن أجد لها تفسيرا: هل هي قسوة الظروف في عهد عبد الكريم قاسم؟ هل هي ظروف عهد الوحدة وحُكم المباحث وخداع الجماهير والتلاعب بعواطفها؟ هل هذه الظروف التي لم يعتدها الحزب هكذا من قبل أوجدت فيه ضعفا وتراخيا ونوعا من السلبية وفقدان الروح التي ظلّلت دوما هذا الحزب؟

هذا ايها الرفاق كان موجوداً قبل ثورة رمضان. ووصول الحزب الى السلطة ضخّم هذه الانحرافات. وإذا كنا الآن نتخوف ونقلق، فلأن السلطة سلاح ذو حدّين، قد يحسن الحزب استخدامه لمصلحة عقيدته وأهدافه، وقد يسيء استعماله فينقلب وبالا ً عليه.

لذلك أتخوف من إساءة استعمال السلطة. أتخوف اذا نحن لم ننتبه، بكل تفتُح، بعيوننا وعقولنا، وبتقديرنا لدورنا التاريخي، ان تورطنا السلطة في أعمال واتجاهات متعسفة متسرعة، تلعب فيها الأنانية الشخصية وربما المصلحة الشخصية الدور الاول. تلعب فيها الانفعالات والأحقاد والمنافسات دورا كبيراً.. دون ان يكون لنا ضوابط ومقاييس واضحة نسترشد بها لتصحيح خطنا التاريخي.

 

ايها الرفاق

قبل شهر.. عقد المؤتمر القطري لحزبنا في العراق، ودعيت مع اعضاء القيادة القومية لحضوره وللمساهمة في حل مشاكل أنذرت بالخطر، كنا مطلعين عليها قبل ذلك بأشهر، وكنا نحاول ان نجد لها حلا، او نساهم بوضع حل لها، ونظن أننا توصلنا الى شيء من هذا القبيل. ونعود بعد شهر او شهرين لنرى بأنها لا زالت دون حل.

ومنذ بداية المؤتمر ظهرت لنا جوانب، لم نكن نعرفها من قبل، او كنا نعرفها بشكل مبسّط. ظهر لنا ان عناصر من خارج الحزب، تحاول ان تستغل الخلافات الداخلية على حساب الحزب.. فكان الموقف الطبيعي ان نبادر الى تدعيم الحزب ومنع أية محاولة، مهما تكن صغيرة، يمكن ان تمس قوة الحزب.. لذلك لزمنا السكوت عن الاخطاء.. فالمحافظة على الحزب تأتي اولا.. لأنه اذا حافظنا على الحزب نستطيع ان نصحح، واذا سمحنا بتفكك الحزب وإضعاف الحزب يصبح أي شيء آخر مستحيلاً.. الرفاق الذين نأخَذ عليهم هذه الاخطاء وهذه العقلية، هم من طليعة الحزب المناضلة.. كما ان الحزب في العراق هو حزب مناضل وأساسي..

قلت ايها الرفاق ان هذا الاسلوب، او هذه العقلية، كانت موجودة قبل الثورة، وقد لمستها في أكثر من مناسبة، سميتها عقلية التكتل، عقلية الوصاية. ليس تكتلا ً لدوافع شخصية او نفعية، على الأقل في ذلك الحين قبل الثورة. وكما لمست فانهم ينطلقون بدوافع عقلية الوصاية، من تفاهم شخصي على شيء، ثم يتحول النظام الحزبي إلى أداة للتبرير..

وهنا اسمح لنفسي بالمبالغة لكي أتمكن من التوضيح، هذا لم يحصل مئة بالمئة، ولكنه حصل شيء منه: تفاهم شخصي رّبما بدوافع طيبة، أعمال فردية.. وجرّ هذا الى نوع من العلاقات من نفس الطبيعة، مع أعضاء آخرين دوافعهم مختلفة..

المهم ان هذا الاسلوب من حيث المبدأ والنتائج خطر جدا.. يبدأ أحيانا ً بدوافع طيبة ومن عناصر جدّية نشطة، ولكن طبيعة التكتل تفرض حتما، ان تدخل فيه عناصر من نوع اخر.. طالما ان التكتل يكتفي من الآخرين بان يوافقوه، ومصير التكتل بعد زمن، الانحدار المتزايد في النوعية..

إني آسف لأن أشير الى حادثة لاحظتها، ولا بد أنكم لاحظتموها ايضا في هذا المؤتمر.. عندما انبرى احد الرفاق ليؤكد ان المؤتمر القومي الخامس، قد عدّل المادة التي تنص على الأكثرية المطلوبة لتعديل الدستور، وكان ذلك في إحدى الجلسات الاولى.. واندفع اعضاء آخرون، بدون تفكير ولا تروي، يؤكدون صحة قوله، مع ان المؤتمر القومي الخامس لم يعدل تلك المادة.. هذا مثال على عقلية التكتل..

 

ايها الرفاق

إن الشيء الذي نرجوه هو: ما الذي يستطيع ان يقدمه هذا الحزب للامة العربية في المستقبل القريب؟

22 تشرين الاول 1963

(1 ) كلمة في الجلسة الرابعة عشر من جلسات المؤتمر القومي السادس ( مناقشة الوضع في سوريا والعراق)

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع