ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


القطرية وشهوة السلطة خطران على الحزب

 

كنت دوما اقول ان الذي يهدد الحزب خطران او نزعتان هما (1): القطرية، وشهوة السلطة او الوصول الى الحكم. ولقد ظهر هذان الخطران او المرضان منذ سنين. وأستطيع أن أقول أن النزعة القطرية في الحزب، اي تمرد القيادة القطرية على الإشراف القومي، أي إشراف القيادة القومية، هذه النزعة تتصل بالمرض الثاني أي النزوع الي السلطة. فعندما تبدأ القيادة في قطر ما، تضيق ذرعا بإشراف القيادة القومية، لا بل تضيق ذرعاً بالمنطق القومي للحزب، فهذا يدل بشكل صريح او ضمني على ان في القيادة القطرية وفي العمل القطري استعجالاً في الوصول الي الحكم قبل الأوان، لأن إشراف القيادة القومية وتطبيق المنطق القومي يحتم اجتياز مراحل معينة من النمو في القطر، ومن الالتزام بخط الحزب القومي حتى يصبح الوصول الى الحكم بشكل صحي، و بشكل طبيعي..

وأذكر بان نشرة قومية كتبتها في أوائل عام 1953 عن الوحدة العربية، وقدمت لها بمقدمة تصور هذه الأعراض في الحزب، وكنا نقصد بالواقع الريماوي في الاردن، ومحاولاته الاستئثار بالعمل القطري بغية الاستعجال للوصول الى الحكم. وكانت تلك النشرة أول نشرة للقيادة القومية، اذ قبل ذلك كانت قيادة قطر سورية هي القيادة القطرية والقومية في آن واحد..

إلاّ أن الذي كان يتجلى دوما، او أحيانا، ان الاعضاء الذين كانوا يشتركون في الحكم كانوا يريدون ان يعوضوا عن ضعفهم في امور أخرى. وهذه ظاهرة مرضية وتفكير متناقض، لأن الحزب الضعيف لا يمكن ان يوصل إلاّ الى حكم ضعيف. من هذه التجربة استطيع ان استنتج ان من الواجب الآن أكثر من أي وقت مضى، أن نلح على السلطة القومية، على سلطة القيادة القومية، وان نتخذ جميع الاحتياطات التي تقي الحزب هذين الخطرين: القطرية، وطغيان الحكم على الحزب او إلحاق الحكم للحزب.

وأستطيع القول ايضا، انه حتى الذين يرفعون شعار محاربة إلحاق الحكم للحزب، معرضون مثل غيرهم ان يفعلوا الشيء نفسه، وفي اقرب وقت ممكن، إذا استلموا زمام الحكم.. فالمطلوب أن يكون على رأس الحزب قيادة قومية قوية، تدرأ هذين الخطرين عن الحزب. فلكونها قومية، تدرأ القطرية أولا، ولأنها بعيدة عن الحكم، تدرأ إلحاق الحكم للحزب ثانيا. ولكي تكون القيادة القومية قوية، يجب ان لا تضم إلاّ الأعضاء الأقوياء حزبيا، أي الذين لا يتأثرون بالقطرية وبالحكم، حتى لو لم يكونوا مشتركين هم شخصيا فيه. اذ يستطيع الحكم ان يكوّن لنفسه اعضاء تابعين له في القيادات القطرية.

فالكفاءات التي لا تقترن بالشروط الحزبية الاساسية -والكفاءات شيء ثمين في الحزب- موقعها في المكاتب الحزبية، وليس في القيادات وخاصة في القيادة القومية. وقولي بأن القيادة القومية يجب ان تكون قوية، لا يعني مطلقا ان القيادة القطرية يجب ان تكون ضعيفة، هذا شيء متناقض. المطلوب من القيادة القطرية في كل قطر من اقطار الوطن وفي القطر الذي يحكم فيه الحزب خاصة، ان تكون قيادة جماهيرية موثوقة من الشعب متصلة به اتصالا وثيقا، وان تكون خاضعة لإشراف القيادة القومية، أي ان تكون القيادة القومية أقوى منها.

هذه بعض الملاحظات التي أردت ان أقولها حول الموضوع.

19 تشرين الأول 1963

(1) كلمة في الجلسة الحادية عشر من جلسات المؤتمر القومي السادس (مناقشة تقرير اللجنة التنظيمية).

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع