ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


الإشتراكية والحرية

 

ان التساؤل (1) الذي وجِّه في هذه الجلسة من المؤتمر حول: أي من الشيئين هو تابع للآخر.. القومية ام الاشتراكية؟.. وأيهما يأتي قبل الآخر؟ يشبه مناقشة اللاهوتيين...

يكفي اننا اكتشفنا حقيقة أساسية واعلناها، والتجربة برهنت على ان القومية حقيقة حية، وأنها عندما ُتدعم بالاشتراكية تعطي نتائج ثورية هائلة، لم تعطها الاشتراكية عندما كانت منفصلة عن القومية.

وفيما يتعلق بالتسمية: اشتراكية عربية. لم تكن هناك نظرية خاصة عن الاشتراكية.. هي النظرية العربية، وإنما اردنا من هذه التسمية التأكيد على حقيقة القومية. وهذا شيء اساسي وخطير، وشيء سبقْنا فيه الجميع. يجب ان يعرف الحزب هذه الميّزة فيه... ولقد كان المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي في سنة 1956، اول من اعترف بهذا الخلاف فيه، ويوغوسلافيا عمليا ً كانت أول من واجهت هذه العقبة في سنة 1948 منذ نشوب خلاف بينها وبين الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين. ولكن الحزب، حزب البعث أعلن هذه الحقيقة منذ سنة 1941، لم يأتِ بها من كتب الفلسفة ولا من الفلسفات النظرية ولكنه استمدها من الواقع الحي، لان الحزب الشيوعي كان يحاول ان يجعل من القضية العربية تابعا ً لمصلحته، ان يجعل تحرر مئة مليون عربي من الاستعمار، وتحررهم من التخلّف ومن الرجعية أمراً تابعا ً لقضية الشيوعية العالمية. ولقد استطعنا ان نحل مشكلة حية، ومشكلة خطيرة في حياة امتنا العربية، وهي أننا استطعنا ان نكون اشتراكيين، واشتراكيين ثوريين وصادقين وان لا نكون تابعين للحزب الشيوعي. إلاّ انه بقي فراغ لم يملأ - ُترك فراغ لكي تعطي التجربة العربية مفهوما ً جديداً وُمعمّقاً للاشتراكية. والملاحظة التي اشار اليها الرفيق شبلي ملاحظة جوهرية، وقد أُشير اليها في بعض كتابات الحزب، وهي علاقة الحرية بالاشتراكية. كانت تجارب الدول الاشتراكية وخاصة في الاتحاد السوفياتي أمامنا منذ تأسيس الحزب، ثم أعقبتها تجارب الاشتراكية في دول اوروبا الشرقية، وكانت هناك مأساة انسانية كبيرة في هذه التجربة، ولقد كان شعورنا ان من واجبنا كجزء من الانسانية، ان نبحث ونفتِّش ونجرِّب لنوفق بين الاشتراكية والحرية، حتى لا تكون الاشتراكية على حساب الحرية، وحتى لا تكون سعادة المجموع على حساب حرية وكرامة الفرد، ففي ذلك تناقض غير مقبول. فلا يعقل ان تصل الانسانية الى السعادة، السعادة الانسانية، اذا كانت حرية الانسان وكرامة الانسان ممتهنة.

بقي اذن فراغ، كما قلت، فراغ لملء التجربة، وتملؤه العبقرية العربية النضالية باعطاء التفصيلات والشروح التي تربط الحرية بالاشتراكية. وإن مجرد ترك هذا الفراغ، مجرد الإشارة الى ضرورة الموضوع من الناحية الانسانية ُيميز الحزب، حتى لو لم يصل الحزب في كتاباته الى افكار جديدة في هذا الموضوع. ولكن الإلحاح على هذه الناحية يميزه فعلا.

حتى إنني في مباحثات القاهرة مع عبد الناصر قلت: أننا نحن ُنقيم للحرية وزن اكبر وأهم ممّا يوليه النظام الناصري. ويظهر من بعض المقاطع في الميثاق الوطني، وفي كتابات بعض الناصريين، بأن الحرية او الديمقراطية تأتي نتيجة لتطبيق الاشتراكية، في حين ان الحزب يضع الحرية مع الاشتراكية، وكشيء مستقل. وهذا يفرّق في الواقع نظرتنا عن النظرة الماركسية والشيوعية. وهذا لا ينفي التفاعل بين الحرية والاشتراكية. بالعكس، أكد الحزب دوما على هذا التفاعل.. أي انه عندما نمضي في التطبيق الاشتراكي تتطور الحرية. فالحرية الملازمة للاشتراكية، شيء معترف به، ولكن تبقى الحرية شيئا مستقلا، شيئا قائماً بذاته.

وفي سؤال لأحد الرفاق: هل نقدر ان ننْسب الاشتراكية الي القومية؟ هل نقول الاشتراكية العربية ام الطريق العربي للاشتراكية؟

جواب: انا افهم من الاشتراكية العربية هو الطريق العربي الى الاشتراكية.

16 تشرين اول 1963

(1) كلمة ثانية في الجلسة السادسة من جلسات المؤتمر القومي السادس عند بحث باب الاشتراكية في التقرير العقائدي.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع