ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


الإشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية

 

ايها الرفاق (1)

عندما اعترضت على القول بان التعديل (2)، كان يقصد منه تعديل النظام الداخلي والدستور ايضاً، فإني في الحقيقة اعترضت على اسلوب المناقشة في هذا المؤتمر، الذي هو أسلوب غير رصين في إعطاء المعلومات الحزبية، ولم اقصد مطلقا الشق الثاني من الموضوع وهو حاجة الحزب الى تطوير وتجديد افكاره النظرية، فهذا موضوع آخر. لقد قلت عندما علقت على التقرير العقائدي بان هذه حاجة صادقة وعميقة ولا يجوز ان نتجاهلها.

إلا انه في الوقت نفسه، من واجب المؤتمر القومي وواجب كل حزبي أن يقدِّر خطورة اي تعديل يطرأ على عقيدة الحزب. التطوير والتعديل والتجديد، أشياء مشروعة ومطلوبة. ونظراً لخطورتها ولأنها تتناول أهم شيء في الحزب، وهو عقيدته، فقد نص دستور الحزب على قيود استثنائية صارمة لكيفية تعديله. فالتطرق لهذا الموضوع اذن ليس الاّ للفت انتباه المؤتمر الى خطورة القضية والى انه، مع شعورنا التام بضرورة تجديد العقيدة، يجب ان نتأنّى في هذه القضية وان ندقق والاّ نسمح بأن تمرّ أفكار غريبة عن الحزب، بحجّة التجديد.

لقد قال احد الرفاق بعد أن رجع الى الدستور: ان المبادئ الاساسية والعامة لا ُتعدّل. ومن هذه المبادئ العامة: ان حزب البعث العربي الاشتراكي -وكان اسمه "البعث العربي"- حزب اشتراكي وأن الاشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية (3). هذا الشيء الذي وجده الرفيق في الدستور ويريد أن يتذرّع به، للمضي في الموافقة على الافكار الجديدة، هو نفسه يدعونا الى مزيد من التأني والتروّي. فالدستور يقول بأن الاشتراكية هي من صميم القومية العربية، والتقرير العقائدي لا يقول ذلك. مقدمة هذا التقرير لا تقول بأن الاشتراكية هي من صميم القومية العربية، بل يكاد الامر ان يكون معكوسا. وفي هذه المقدمة قول آخر هو ان حركتنا علمية لأنها اشتراكية، اي انه نفى صفة العلمية عن القومية، وهذا شيء خطير. فالاشتراكية -حسبما ورد في المقدمة- هي وحدها العلمية، ونحن نعلم ان حزبنا هو حزب عربي اشتراكي. لو ان الرفيق طرح لنا المادة التي تسبق هذه المادة، وهي عن القومية العربية (4)، لرأينا الفرق واضح بين بعض الافكار المطروحة الآن وأفكار الحزب التي سجلها وثبتها في الدستور. فالمادة عن القومية العربية تقول ان القومية العربية حقيقة حية خالدة. وطبيعي أن ثمة فرقا ً شاسعا بين إعتبار القومية مرحلة، وبين اعتبارها حقيقة خالدة.

واعتقد اننا نستطيع جميعا ان نواجه الضرورة المشروعة، الملحة، لتطوير عقيدتنا، دون ان نمس الأسس، التي اذا مسسناها واضعفناها، لا نضمن بقاء هذا الحزب بعد مدة قصيرة من الزمان.

وأخيراً أريد أن أنبه الرفيق الى هذا الاسلوب في تفسير النوايا، وفي التعريض واتهام الآخرين بعرقلة تطوير عقيدة الحزب. فهذا باب لا يجوز أن يُفتح في المؤتمر. ومن واجب رئاسة المؤتمر ان تمنع كل عضو من الكلام عندما تخرج منه مثل هذه الألفاظ، لأنه لو ُفتح مثل هذا الباب لكان من السهل جدا ان نكشف النوايا الانتهازية والوصولية والنزّاعة الى السلطة، والمتسترة بأمر العقيدة وتجديد العقيدة.

16 تشرين الاول 1963

 

(1) كلمة فى الجلسة السا دسة من جلسات المؤتمر القومي السادس (مناقشة باب الاشتراكية من التقرير العقائدي).

(2) الاشارة هنا تتعلق بقرار المؤتمر القومي الخامس حول الاكثرية المطلوبة للتعديل.

(3) المادة الرابعه من المبادئ العامة.

(4) المادة الثالثة من المبادئ العامة.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع