ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


الارهاب السعيدي في العراق

 

اطلع الرأي العام العربي على الأنباء التي توافرت منذ مدة عن حملة الاعتقالات التي قامت بها حكومة "نوري السعيد" ضد أعضاء البعث العربي الاشتراكي في العراق، وما رافقها من إرهاب وتعذيب وتشريد. وليس يضير حزبنا ولا أفراده أن يعتقل بعضهم وأن يساموا التشريد والجور، فهم كأعضاء في حزب نضالي مهيئون دوما للتضحية، ويدركون تمام الإدراك انها في هذه المرحلة من حياتنا القومية، ثمن لا بد منه جد رخيص تجاه ما يسهم فيه من إيقاظ لوعي الشعب العربي، يبتعث فيه الشعور الكامل بحقوقه وبرسالته، ويدفعه إلى الاستبسال في نضاله من أجل حريته ووحدته. ولكن الأسلوب الذي اتبعته الفئة السعيدية في معاملة البعثيين الاشتراكيين يأتي دليلا جديدا على جو الإرهاب الذي ترى نفسها مضطرة إلى خلقه لكي تستطيع متابعة سياستها الممالئة للأجنبي والمخالفة لإرادة الشعب.

لقد اضطرت الفئة السعيدية إلى نكران رسالة الوحدة العربية التي طالما زعمت انها رسالتها، حين اتهمت البعثيين الاشتراكين بالعراق بالاتصال بجهة اجنبية، ثم تبين من تفاصيل التهمة ان هذه "الجهة الأجنبية" ليست الا القيادة القومية للحزب، ومقرها دمشق كما هو معروف. وكثير على العروبة أن يعتبر كل قطر من أقطارها المصطنعة التجزئة أجنبيا عن الآخر. والبعث العربي الاشتراكي، يفخر بأنه أول حزب عربي ثار على التجزئة، وجعل تنظيمه عربيا شاملا لا يفرق بين قطر وآخر. وحكومة السعيد تناقض كل ما تنادي به من تصريحات علنية حين تحارب في العراق حزبنا العربي القومي، بينما هي تؤيد وتحمي، في سوريا، حزبا آخر رسالته نكران العروبة ومهمته خدمة أغراض الأجنبي.

ولقد حاولت الفئة السعيدية تبرير حملتها على البعثيين الاشتراكين بالزعم بأنهم يهدفون إلى قلب أنظمة الحكم في البلاد العربية. ان البعث العربي الاشتراكي حزب انقلابي حقا، ولكنه لا يؤمن بالانقلاب الا شاملا جذريا، صادرا عن الشعب نفسه وعن طريق النضال الشعبي. ان طريق الانقلاب لدى البعث العربي الاشتراكي واحد واضح: هو طريق ايقاظ الوعي في الشعب وتنظيم نضاله واعداده لمرحلة يتخلص فيها من الفئات الحاكمة التي لا تمثله، بل تمثل أهدافا مصلحية معينة تلتقي في الداخل مع أهداف الاستعمار الخارجي.

وتاريخ حزبنا يثبت ان الحكومة العراقية لم تأت بجديد حين اتهمته بالدعوة إلى مبادئ هدامة، بل تبنت نفس الخديعة التي حاربته بها الفئة الحاكمة في سوريا أول نشأته قبل ان تضطر الى الإعتراف به نتيجة لإقبال الطليعة الواعية المخلصة على دعوته. لقد كانت مبادئ البعث العربي الاشتراكي أسس البناء الذي بدأ رغم العقبات الرجعية يرتفع ويظهر في نفوس الشعب العربي في معظم الاقطار. أما صفة (المنظمة السرية) التي وصف بها الحزب في العراق فهي صفة طبيعية لحزب يأبى التخلي عن النضال في بلد تنتهك فيه الحريات العامة وتحرّم فيه الحياة الحزبية، وتحل فيه حتى تلك الأحزاب الرجعية التي تلتقي أهدافها مع أهداف سلطات الحكم.

ان حزب البعث العربي الاشتراكي يدرك تمام الإدراك أن الحكومة العراقية اذ تعتقل اعضاءه وتعذبهم وتطاردهم، لا تحارب مبادئهم التي لا ينال منها الاضطهاد، ولا تخشى حقا من انقلاب يدبرونه عليها، وانما تهدف من وراء ذلك إلى خنق النضال القومي الذي يعارض سياستها في تقبل الأحلاف العسكرية التي تتنافى مع إرادة الشعب العربي. وهو، بعد، يدرك انها مسيّرة لا مخيّرة ولأن الأوضاع الزائفة المصطنعة لا تستطيع ان تضمن بقاءها الا بأساليب زائفة مصطنعة، وهي بهذا، وبالثورة المتعاظمة التي تتأرجح ضدها في ضمير الشعب تحكم على نفسها سلفا بالعقم والفشل، لأن ارادة الشعب هي التي ستنتصر.

27 تموز 1955

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع