ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


عهد جديد بعقلية قديمة ومصالح أزلية

 

لن نعجل على هذا العهد ونصدر فيه منذ يومه الأول رأيا سلبيا نهائيا. بل لا بد ان ننصفه في نقطتين ما زلنا نكررهما منذ حين وهما:

اولا: ان الشعب كان صادقا كل الصدق في انتفاضه على عهد ما قبل الانقلابات العسكرية، فهو اذن يطمح الى تجديد في حياته وأوضاعه، ولا يفكر في العودة الى القديم السقيم.

ثانيا: ان رجال هذا العهد الذين لا يختلفون عن رجال العهد القديم من حيث العقلية الاجتماعية الجامدة والانقياد للمصالح الشخصية والعائلية، لا يخلون من فضيلة واحدة سلبية تميزهم عن سابقيهم، وهي انهم لم يتبذلوا بعد الى حد المتاجرة بالجهاد المزعوم ولم يستحلوا في سبيل الحكم ومغانمه كل مقدس ومحرم، ولم يتصفوا بأسلوب الشقاوة ونفسية العصابات!

ولكن هذه المفاضلة ليست مضمونة الدوام، وقد لا تعمر طويلا فلقد ظهرت حتى الآن بعض البوادر من الحكام الحاليين، رغم حداثة عهدهم بالحكم، تنبئ عن مدى ما يستطيعون الوصول اليه، في مستقبل قريب، من سوء فهم لمعنى الحرية، واستهتار بإرادة الشعب، واستغلال للنزعات الرجعية، ومجارات للمصالح العائلية والإقطاعية. فهل في مقدور بعض المزايا الشخصية التي تظهر الآن عند بعض زعمائهم ان تحول دون تدهور هذا العهد وانتظامه في القانون العام الذي يسيّر جميع العهود القائمة على المصالح الإقطاعية والنفوذ العائلي؟.

إننا نؤمن أن قضية شعبنا ليست قضية أشخاص او فروق شخصية ثانوية في الكياسة واللباقة، وإنما هي قضية حاجات اجتماعية حيوية، وأهداف قومية شاملة، وان كل حكم لا يتفهم هذه الحاجات والأهداف بعمق، ولا يستجيب لندائها بحرارة وصدق، هو حكم مصطنع، مصيره الزوال السريع.

 ميشيل عفلق

10 أيلول 1950

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع