ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


الانقلاب العسكري الاول في سوريا

مذكرة اللجنة التنفيذية لحزب البعث العربي
الى القائد العام للجيش والقوى المسلحة
(1)
 


من دواعي الاغتباط ان نراكم تسجلون، في بيانكم الذي اذعتموه أمس على الشعب العربي في سوريا، ما كان لهذا الشعب من التأثير الاكبر في تحقيق الانقلاب الاخير. والحق ان الجيش الذي يتألف من ابناء الشعب لم يكن سوى الاداة الامينة المباركة التي نفذت رغبة قومية وارادة عامة طالما اعلنها الشعب، خلال السنوات الاخيرة في نضاله الجريء العنيد، وقدم في سبيلها الضحايا العديدة في مناسبات كثيرة.


ان هذه الحقيقة البارزة التي تعطي للانقلاب الاخير اقوى حجة لتبرير ما حدث، يجب ان تكون ايضا اقوى اساس لبناء المستقبل. فالشعب العربي في سوريا وفي جميع اقطار العروبة، لا يقنع من الانقلاب بان يكون نهاية عهد اسود فحسب، بل يريد ان يجد فيه نقطة انطلاق نحو الحياة الحرة المنتجة القوية.


ومن الواضح الجلي ان ضعف العهد السابق وانهياره كانا نتيجة السياسة التي قامت على خنق حريات الشعب وتزييف ارادته، وتسخير جهوده وموارد بلاده، لمصلحة الحكام وطبقتهم المستثمرة الجشعة. فلا بد اذن من قلب هذه السياسة من اساسها حتى يقّدر للانقلاب ان يحيا ويدوم.


ولا يكون ذلك الا اذا اعتبر الشعب هو العنصر الاساسي الثابت في الحادث العظيم الذي تّم، وان من حقه بل من أوجب مقتضيات المصلحة القومية، ان يتبنى هذا الانقلاب، يحميه ويقويه ويوجهه الوجهة الصالحة.


ولكي يستطيع الشعب ان يحمي انقلابه ويثبت دعائمه على الاسس الصحيحة المتينة، عليه ان يكون حرا في التعبير عن ارداته ورغباته، وأن يشارك عمليا في رسم منهاج العهد الجديد وتطبيقه. عندئذ يجد الشعب بقاء العهد الجديد مرتبطا ببقائه ومصلحته ويكون مستعدا للدفاع عنه بالنفس والنفيس، وعندئذ تكون لهذا العهد قوة لا تؤثر فيها الاخطار مهما عظمت ومن اي ناحية اتت.


ان حزب البعث العربي الذي قدّر في جميع مراحل نضاله، المسؤولية القومية التي ترتكز على فكرته الشعبية الاشتراكية الحرة يعتبر نفسه في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ سوريا العربية، مسؤولا ايضا عن بيان الخطوات الضرورية التي تحقق للبلاد ثمار نضالها الطويل. ولذلك فالحزب يرى ان تبنى السياسة على الاسس التالية:

1- تشكيل حكومة مؤقتة حائزة على ثقة الشعب.
2- تطهير الجهاز الحكومي من جميع صنائع العهد البائد، ومحاكمة المسؤولين عن فضائحه وارتكاباته.
3- تأمين الحريات العامة التي نص عليها الدستور.
4- اجراء انتخابات حرة في المدة المحددة للدستور، وعودة الحياة الدستورية الجمهورية الى مجرها الطبيعي.

عميد البعث العربي
ميشيل عفلق
دمشق في 4 نيسان 1949
 


(1) قبيل حدوث الانقلاب كانت الدلائل تشير الى وقوعه لان الشعب لم يعد يطيق تآمر الفئات الحاكمة وتخاذلها امام السياسة الاستعمارية والذي ظهر بوضوح من كارثة فلسطين، فارتكز قائد الجيش "حسني الزعيم" على هذا الشعور الشعبي وقام بالانقلاب الاول، فصفق له الشعب وأيده الحزب ضمن شروط قدمها في مذكرة خاصة. وسعى لتشكيل جبهة سياسية تمنع قائد الجيش من الشطط والاستئثار فلم يثمر سعيه بسبب من انقسام رجال السياسة. فبقي الحزب وحده في الميدان يوجه المذكرات والتحذير. وقد كلف الحزب للاشتراك في الوزارة مرتين فرفض لعدم وجود الضمانات لقيام حكم دستوري حر، واخيرا عمد الحزب لمصارحة الرأي العام بتوزيع مذكرة شرح فيها سوء الوضع وانحراف قادة الانقلاب. ولكن السلطة اعتقلت عميد الحزب وعددا كبيرا من الاعضاء، واخذت تنكل بهم، كما منعت جريدة "البعث" من الصدور. وبعد ان خر ج قادة البعث العربي واعضاؤه من السجون انصرفوا الى تنظيم المقاومة السرية بالشكل المتلائم مع حكم دكتاتوري عسكري، وتفاهموا على ذلك مع عدد من رجال الجيش والسياسة.
 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع