ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


تعديل الدستور فاتحة الدكتاتورية



بذلت الحكومة السورية كل ما في وسعها لتخفي عن الشعب العربي في سوريا والاقطار العربية الاخرى حقيقة الازمة الدستورية الخطيرة التي تسببت فيها. وسعت بصورة خاصة ان تخفت صوت "البعث العربي" ولكن هذه المساعي والاساليب من قبل الحكومة لم تفعل اكثر من تقديم الشواهد والبراهين على التواء قصدها وصدق ما اتهمناها به من التآمرعلى حريات الشعب ودستور البلاد.


لقد عطلت الحكومة كل صحيفة خالفتها في رأيها في "التعديل" وعطلت صحيفة "البعث" لهذا السبب ثلاث مرات، كل مرة شهرا كامل، ولم تكتف بذلك، بل صادرت مؤخرا اعداد الجريدة من مكتب ادارتها دون ان يكون في القانون ما يجيز المصادرة، ثم ارسلت رجال الامن فداهموا مكتب الحزب بحجة التفتيش عن متفجرات، واعتقلوا ستة من الشباب وأباحوا لانفسهم استعمال افظع انواع التعذيب مع احد هؤلاء الشباب لا لشيء سوى انه عامل. واعتقلوا شبابا في حمص، واغلقوا مكتب الحزب فيه، واحاطوا مكاتب الحزب في العاصمة والمحافظات بنطاق من رجال الشرطة السرية يلاحقون قادته واعضاءه اينما ذهبوا، ومنعوا المطابع في طول البلاد وعرضها من ان تنشر للمعارضين شيئا، بينما جندت الحكومة صحفها وكتابها ليهاجموا حزب البعث العربي ويردوا عليه اثناء تعطيل صحيفته.


وفي مساء الاحد الواقع في 4 آذار دعا الحزب الى استماع محاضرتين للاستاذين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار في موضوع "الدستور والحرية" فأرسلت الحكومة بعض رعاعها ليعطلوا الاجتماع. وبينما كان الاستاذ البيطار في الربع الاول من محاضرته، انبرى له احد هؤلاء مقاطعا، وساعده رفاقه على احداث الشغب، ثم انفجرت مفرقعة في فناء مكتب الحزب تبين انها القيت من سطح البيت المجاور، وهجم على باب افراد مسلحون بالعصي والخناجر يعتدون على بعض الشباب الواقفين في الباب بمساعدة رجال الامن العام. ودخل على الفور عدد كبير من رجال الامن العام فاعتقلوا خمسين شابا من الطلاب الجامعيين واساتذة المدارس وتغاضوا عن الاشخاص المعتدين.


ففي الوقت الذي يجاهد فيه شباب البعث العربي في جبهة فلسطين تجيز الحكومة لنفسها استعمال هذه الاساليب البربرية لتمنعنا من تنبيه الشعب الى خطر الديكتاتورية المحدق به من وراء "تعديل" الدستور.


وما كان حزبنا ليقاوم "التعديل" لو انه تعديل بالفعل. ولقد سبقنا غيرنا الى المطالبة لا بتعديل الدستور فحسب بل بوضع دستور جديد وذلك على اثر الجلاء مباشرة. الا اننا كنا وما نزال نطالب بتعديل الدستور او تبديله ليصبح اقرب الى نزعة الحرية واقوى على ضمان حريات الشعب وحمايتها من طغيان السلطات الحاكمة. في حين ان "التعديل" الحكومي يرمي الى تضييق هذه الحريات تمهيدا للقضاء عليها. وليس ادل على ذلك من الاسلوب الذي تتبعه الحكومة السورية لاجراء التعديل بالقوة والارهاب والتضليل وافساد الضمائر وبمخالفة القوانين والدستور نفسه. وقد جاء مشروع "التعديل" الحكومي نتيجة لمقدمات اظهرت بوضوح ما يهدف اليه رجال السلطة من وراء مشروعهم. اذ انهم هم الذين وضعوا قبل سنة ونصف مشروعا لاقامة الديكتاتورية عرف بالمرسوم (50). كما ان اقتصار هذا التعديل على تجديد الرئاسة يظهر ان رجال الحكم يسخرون دستور البلاد من اجل الاشخاص. ومن جهة اخرى انهم، بدلا من وضع مشروع كامل لتعديل الدستور باتجاه ديقراطي تقدمي حر، اهملوا كل ذلك وتصدوا على العكس للمادة التي تكفل ترسيخ فكرة الجمهورية والحرية عند الشعب بجعل الرئاسة متداولة ومنع من يصل الى الرئاسة من سوء استعمال صلاحياته ليجدد انتخابه.


فالمسألة في نظرنا جد خطيرة لانها تتعلق بالمبادئ لا بالاشخاص، ولاننا نعتبر ان الفائدة التي يمكن ان تحصل من بقاء شخص بالذات في الحكم هي في ظروفنا الحالية اقل بما لا يقاس من الاضرار الجسيمة التي تلحق بالبلاد من جراء تضحية ذلك المبدأ الديمقراطي المتضمن في المادة المنوي تعديلها والمتضمن في دساتير الديمقراطيات الناشئة.


تلك هي حقيقة الخطر الذي يتهدد البلاد وحرية الشعب ومصالحه، نعلنها بصراحة وجرأة، مستهينين في سبيل اعلانها بالأذى والاضطهاد، لان مستقبل سوريا بصورة مباشرة ومستقبل البلاد العربية بصورة غير مباشرة، معلق على هذه الخطوة التي ستقودنا اما الى الدكتاتورية المظلمة الغاشمة واما الى توطيد دعائم الحرية وانفتاح حياتنا للتطور والرقي.


ان مسؤولية الشعب خطيرة ومسؤولية النواب الشعبيين المعارضين اخطر، لان في استطاعتهم تجنيب البلاد هذه الكارثة، ولان الشعب لم ينتخبهم الا ليضعوا حدا لنزعة الاستبداد المسيطرة على الحكم الحاضر.


ايها الشعب! أيها الجيل الجديد!


ان نضالك ضد الاستبداد في السنتين الاخيرتين قد أوصلك الى نتيجة ثمينة، اذ اجبر رجال الحكم على ان يرفعوا عن وجوههم آخر برقع يجلل حقيقتهم. فحكموا الشعب عنوة بأساليب الاستعمار البغيض. واليوم تنتظرك معركة جديدة من معارك حريتك المقدسة وليس في خوضها لك الا الربح الاكيد. فالحرية عمل ونضال يزيدانك وعيا لقيمتها وتعلقا بنعمها ومرانا في الدفاع عنها الى ان تتحقق لك كاملة بعد ان تكون قد دفعت ثمنها كاملا.

عميد البعث العربي
ميشيل عفلق


15 آذار 1948

(1) بيان آخر حول مؤامرة تعديل الدستور صادر عن حزب البعث العربي في 15 آذار 1948.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع