ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


المعركة وارادة الأمة

 

أيها الإخوان

أحب أن ارجع بكم قليلا إلى الماضي.. عند تأسيس حركتنا وقبلها.. عندما كانت البلاد العربية على اثر الحرب العالمية الأولى تعاني الاحتلال الأجنبي وكل ما ينجم عن الاحتلال والإستعمار من مفاسد والآم ومظالم، كان الجيل الشاب -جيل الطلبة- ينظر إلى هذا الوضع الشاذ ويشعر بوطأته وبعاره وبألم الشعب، ويتحرق لتبديل في العقلية والعمل، وينظر إلى القيادة التي كانت تتزعم الحركة الوطنية، ويرى ويشعر بأنها دون المستوى. وظلت هذه الآلام والدوافع تفعل فعلها في نفوس الشباب حتى تجسدت أخيرا في حركة جديدة. ولا حاجة لان أقول لكم بان ظهور هذه الحركة الجديدة لم يكن شيئا سهلا، ليس فقط بسبب المصاعب والعراقيل التي وضعت في سبيلها من كل جانب، بل أيضا وعلى الأخص لان أزمة عميقة في الثقة كانت مستولية على الشعب العربي. كان من الصعب أن تعاد هذه الثقة. ومع ذلك فقد عادت الثقة فولدت الحركة، وقطعت مراحل. وان دل ذلك على بعض الفضائل في هذه الحركة الجديدة، رغم عيوب ونواقص كثيرة شابتها ولا مجال لنكرانها، ولكن هذا يدل بصورة أقوى على فضيلة الأمة نفسها، وعلى روحها وعمق إيمانها وخصب حيويتها.. وأنها لا يمكن أن تتنازل عن وجودها وعن رسالتها.. وأنها عندما يبدو عليها شيء من اليأس وضعف الثقة فلا يكون ذلك في الواقع إلا حاجة عميقة فيها إلى الارتفاع والى طلب المزيد من الصدق، ومن الجدية، وكأنها في بعض فترات أزمة الثقة التي تعتريها، كأنها في الواقع تحفز نفسها وتحفز أبنائها إلى إن يرتفعوا بمستواهم وبأهدافهم ومطامحهم ليتلاءموا مع الظروف وليتكافؤا مع مطالبها وأهدافها، وهي مطالب وأهداف عظيمة. والأمة لا تنحصر في جيل أو جيلين أو أكثر.. فالأجيال تولد وتناضل وتتساقط على جوانب حياتها الخالدة. وكل تفكير يمكن أن يشعر بان حركة ما، مهما تكن ذات قيمة ونفع، يمكن أن تتلخص فيها حياة الأمة وان تتوقف عندها حياة الأمة هو تفكير خاطئ وضار. فالحركات مراحل في الطريق؟ وإذا كان من أهم العوامل التي دعت وساعدت على تكوين هذه الحركة التي انتم فيها.. إذا كان من أهم العوامل التي ساعدت على تكوينها هو ذلك الموقف المتمرد الذي وقفه جيلنا قبل عشرين عاما.. ذلك الموقف الذي أبى أن يرضى بالسهل اليسير، ويقنع بالواقع، وينزل بأهداف الأمة العربية إلى مستوى كفاءاته أو كفاءة الزعماء... فان هذا الموقف نفسه مطلوب دوما.. مطلوب من جميع الأجيال العربية أما لتقويم السير في الحركة القائمة أو لبدء حركة اصح واقوي.

هذا كلام اعتقد بأني لا أقوله للمرة الأولى.. لأني مؤمن بهذا دوما. وكنت أصارح الشباب في كل حين وأطالبهم بهذا الموقف، ولكن الظرف الخطير الحاضر يدعو إلى أن نلح أكثر من أي وقت مضى على ضرورة وعي الشباب لمهمتهم وأنها مهمة خلاقة لا يجوز أن تبقى منفعلة ومنقادة ومستلمة، وإنما دورهم هو دوما التجديد والتصحيح، والثورة على الواقع، والمطالبة بالارتفاع دوما.

لقد دخلنا الآن معركة جديدة. ولأقل مباشرة بان هذا كان ضرورة حيوية بالنسبة إلى العرب. وان كل تهرب من هذه المعركة وحتى تأجيلها كان بمثابة تزييف لنهضة العرب وإفساد لما في هذه النهضة من أصالة ورجولة. فالنهضات وحركات الانبعاث لا بد أن يكون لها ثمن.. ولن يكون الثمن غاليا جدا بنسبة قمتها وقدرها. وشيء أكيد يجب أن تقتنعوا به، وهو يصلح أن يكون قانونا لحياة كل شاب عربي: هو إن الحياة لا يحتال عليها. الحياة الجديدة ليست هي احتيال.. التاريخ الصحيح.. إي انه لا يبقى في التاريخ إلا الصحيح.. وهو الذي يستحق البقاء.. هذا لا يحتمل الاحتيال والخدعة، ولا تستقل الأمم ولا تتربى ولا يرهف حسها وتعلو روحها وتعمق ويتفجر فيها ينبوع العمل والبناء والخير والفداء إلا إذا عانت بنفسها وعلى حسابها ودفعت ثمنا مساويا لما تطلبه من الحياة.

وعندما ننظر إلى معركتنا الحاضرة من هذه الزاوية، ومن هذا الأفق.. لا يعود للملابسات السياسية شأن كبير.

لماذا حدث هذا الحادث؟.. ولو لم يحدث لكان هذا أفضل.. ولماذا تصرفت هذه الحكومة بهذا الشكل؟.. ولماذا كان الموقف بهذا الشكل؟.. هذه أشياء ثانوية. أما إذا نظرنا من داخل مصير الأمة واندفاعها نحو مصيرها لوجدنا أن الأشخاص والحوادث والأحداث إنما تولد وتتداعى وتتجمع بفعل هذه الإرادة العميقة التي تنبعث من صميم الأمة. فالأمة العربية منيت بنكبات كثيرة من الخارج والداخل. وكانت نكباتها في الحقبة الأخيرة حادة ومثيرة.. إلى الحد الذي عجل في إنضاجها. في إنضاج الوعي فيها. فتدفقت قواها البناءة من كل جانب.. فوجئ العالم، وفوجئ الإستعمار الذي له مصالح مرتبطة بضعف امتنا وبتفرقها وتجزئتها، واتضحت الأمور، لأن من له مصلحة في بقاء امتنا ضعيفة ومجزأة يجب أن يتدارك الموقف قبل فوات الوقت. وعلى الأمة العربية أن تدافع عن نفسها أيضا.

فمن جهة، الإستعمار وأعداء الأمة العربية لم يكن لهم خيار. كانوا مضطرين أن يفتحوا المعركة، ولكن للمعركة أشكالا متعددة. والمستعمرون والغاصبون لا يهمهم أن يروا دم العرب يسفك وبلادهم تدمر بقدر ما يهمهم أن يحافظوا على مصالحهم، على المصالح الإستعمارية. فإذا استطاعوا أن يحافظوا عليها بحرب غير ظاهرة، إي أن يتمكنوا من إبقاء العرب ضعفاء أذلاء مبلبلين متناحرين فيما بينهم وفي مستوى منخفض من الفكر والروح والعمل، يستغنون عن فتح المعركة الحربية. وهذا كان هو الخطر الأكبر.

الخطر الأكبر كان أن نستمر، أن تستمر الحكومات العربية، في مداراة الإستعمار وفي تضليل الشعب وفي قبول أنصاف الحلول، وان يبقى الشعور متبلدا والوعي غامضا والنفوس قلقة وحائرة وميالة إلى اليأس أو مستهترة بكل قيم الحياة ومعانيها السامية. ولكن يوجد في الأمة العربية فئات وأفراد يدركون أن لا مفر من هذه المعركة.. أن الخير كل الخير في أن تكون معركة صريحة، وان يقبل عليها الشعب العربي بإرادته وهو واع لأهدافها ومراميها، وان يعرف على أي شيء تدور هذه المعركة، وماذا يختار عندما يدخلها. وإذا كانت المعركة بهذه الصراحة وهذا الوضوح، يكون الشعب العربي قد أنقذ نفسه لان قوى كثيرة كامنة في هذا الشعب تستيقظ وتتفتح وتنمو لدى المعرفة الواضحة الصريحة. عندما يعرف ما هي الأخطار التي تتهدده، ويعرف من جهة أخرى ما هي الأهداف التي يسعى إليها، والتي لا يجوز التنازل عنها، فهذا يكون بمثابة إيقاظ لأعمق القوى الكامنة فيه. فإذا استيقظ من هذه القوى ما يكفي لأحداث نصر مادي في العاجل كان ذلك خيرا، وان لم تكف هذه القوى لإحراز النصر الصادر، فيكون النصر المعنوي قد أحرز حتما. والنصر المعنوي معناه أن النصر المادي آت في المستقبل، ولاشك أو ريب في مجيئه.

والمواقف الحاسمة الصريحة المستوحاة من الثقة بالأمة وبجدارتها وبأصالتها، وبأنها تستطيع أن تتحمل التضحيات الجسيمة، وان تنبري للمهام العظيمة، هذه المواقف هي خير كلها في وجهيها الايجابي والسلبي، لان لها وجهين. فالمواقف الصريحة الجريئة المؤمنة لها وجه ايجابي هو نداؤها إلى كل ما في الأمة من خير لكي يستيقظ ويتضامن ويبدأ العمل، ولها وجه سلبي هو فضح كل ما في الأمة من أمراض وكل ما طرأ عليها من شوائب وما اندس فيها من تآمر وخيانة وضعف. ولولا المواقف الحاسمة لبقي الفرق بين الإخلاص وبين الخيانة فرقا نسبيا، وقد تلتبس الأمور على أكثر الناس، ومن أحوج من الأمة العربية في هذه المرحلة إلى المواقف التي من هذا النوع، ما دامت تعاني كثيرا من الأمراض الداخلية وتعيش في تناقضات غريبة غير محتملة؟ ومع ذلك فالسياسة الرخيصة المرقعة المصلحية الجبانة كانت تسدل الستر على هذه التناقضات وعلى هذه الأمراض، وتسدل البراقع وتزينها في أعين الشعب أو تلطف من بشاعتها. وكلكم تعلمون بأن في المجتمع العربي أفرادا يملكون من الثروات ما يكفي لتحرير قطر بكامله من نير الإستعمار، وان أسرا مالكة أو حاكمة تمتلك أيضا من هذه الثروات ما يكفي لإعمار الوطن العربي وإنهاضه وتحريره أو ما يساعد كثيرا في هذا السبيل.

وتعلمون أيضا أشياء أخرى اقل وضوحا في تناقضها ولكنها قد لا تكون اقل ضررا وإجراما في حق الأمة وحق مصلحتها من أساليب السياسة المتبعة وأساليب التهويش والتزييف وادعاء المبادئ والتذرع بها للوصول إلى شهرة أو منفعة خاصة. وكل هذا شائع في مجتمعنا.

فإذن، الجيل الشاب.. الفتي.. المؤمن.. الواعي لرسالته.. المستعد للتضحية ولخوض الصعاب، يجب أن يفرح ويستبشر عندما تصل أمته إلى هذه المواقف الصعبة الحرجة لأنها المواقف الوحيدة الجديرة بأمة كبيرة، والمواقف الوحيدة التي تشفي من العلل وتدفع إلى الأمام وتحقق للأمة تقدمها المطلوب. وعلى هذا الجيل أن ينظر في اتجاه واحد هو اتجاه العمل والبناء والنضال والتفاؤل، وان لا يتوقف كثيرا عند مشاهدة الوجه الأسود للحالة، يجب أن لا يضيع ساعة من وقته ومن حياته في الأسف على الأشياء والأشخاص التي لا تستحق أن يؤسف عليها. فإذا كانت هذه المواقف قد فضحت عيوبا فيجب أن تفرحوا وتتبشروا لان هذه العيوب أن لم تظهر وتنفضح فإنها لن تشفى ولن تزول. وليست مهمتكم أن تأسفوا وتتلهفوا، بل مهمتكم أن تمشوا في الطريق الصاعد، وان تنظروا إلى الوجه الايجابي، إلى جهة البناء والنضال، إلى الطريق الذي يبني المستقبل. ولا يجدر بالجيل الشاب الانقلابي أن يتطلب السهولة لأنها نقيض مهمته. والانقلاب هو الشيء الصعب أو أصعب الأشياء؟ وقد انفتح أمامنا الطريق ولا يظن احد بان المعركة هي في يد غيرنا. المعركة هي دوما في يد الأمة المالكة لإرادتها ولمصيرها. وتستطيع أن تطيلها ما شاءت لها الإطالة.

وفي الأمة العربية إمكانيات لم تدخل بعد في حيز العمل والتحقق وهي تنتظر الطليعة الواعية المنادية المضحية التي تتقدم الطريق فتوحي بذلك إلى هذه الإمكانيات أن تظهر وان تفعل.

ولننظر، بكلمة أخيرة، إلى الواقع الراهن وكيف يجب أن يكون موقفنا، موقف الشباب، موقف الشعب عامة. وما حدث حتى الآن فيه من دواعي الاستبشار والتفاؤل أكثر بمرات عديدة من دواعي اليأس والتشاؤم. فمصر تتحمل هجوما هو في مستوى الحروب العصرية بكل قسوتها وجديتها. ومصر كانت قبل سنوات تتململ أو يبدو أنها -بحكم الأوضاع الفاسدة التي كانت تسودها- يبدو أنها تتململ من نضال المظاهرات وما يقع في المظاهرات من تضحيات جزئية تافهة، هي نفسها بعد سنوات قليلة تتحمل ما تحملته الدول الكبرى في الحرب الأخيرة وفي الحروب الكبرى بإيمان وعزم ورجولة، وأقطار عربية أخرى تجاهد.. تناضل وتضحي ليس منذ أسبوع فحسب وإنما منذ سنوات باستمرار في حرب وحشية قاتلة في المغرب العربي. وأقطار تجاهد وتناضل بشكل آخر ضمن إمكانياتها الحاضرة لأنها محتلة احتلالا مباشرا، كالجنوب العربي، ولكنها تقوم بواجبها. وهناك أقطار أخرى هي الأقطار التي نالت من الحرية السياسية نصيبا اكبر من غيرها ولكنها منيت بفئات حاكمة وأوضاع اجتماعية ظالمة وجائرة أفسدت عليها تقدمها والقدر الذي حققته من استقلالها. فمنها العراق وهو مكبل بحكم رجعي بوليسي، ولكن سكوته لن يطول، وهو غير ساكت. وكل مؤمن بعروبته يستطيع أن يثق بان الشعب العربي في العراق لا يسكت حتى ولو لم تصلنا أصواته. وهنا -في سورية- ولأقل بان وضعها قد لا يختلف كثيرا في جوهره عن وضع مصر قبل الثورة، مع بعض الفوارق ولكنها غير أساسية، فهي في وضع سياسي واجتماعي فاسد ومائع يسمح بالتآمر ويسمح بالانهزامية ويسمح بشتى أعمال التخريب والعرقلة أمام المهام القومية، ومع ذلك فيها رأي عام واع وفيها صلابة وفيها إيمان، ولكن المفسدين يشوهون وجهها وحقيقتها.

وليس الموضوع الآن أن نستعرض الحوادث والتدابير وغير ذلك.. وان نعرف لماذا تأخرت سوريا عن دخول المعركة.. وهل صحيح كما يقال بان الوقت قد فات؟.. هذا لا يهمنا كثيرا إذا نحن صممنا على اعتبار المعركة مفتوحة وإنها لن تنتهي إلا إذا أردنا لها أن تنتهي، فلم يفت أي وقت بعد، ولم يشترك في المعركة إلا جزء بسيط من إمكانيات الأمة العربية، وعندنا جبهات واسعة. وهذا ما أريد أن انهي به كلمتي، كل شيء ممكن، ونستطيع أن نضغط وان نعمل أشياء كثيرة. بقي أن يقوم كل واحد بواجبه، وان لا تبقوا متفرجين، وان لا تسمحوا للبلبلة وللشك والانهزامية أن تتسرب إليكم، وان تعرفوا بان هذه المعركة بالنسبة إلى العرب هي معركة تنظيم، فقد شببنا عن الطوق وخرجنا من الطفولة. واليوم، الدول الكبرى في أوروبا العريقة في حضارتها وتنظيمها وتسلحها،لم تعد تستحي بان تجاهرنا العداء وتعلن بأنها تخاف من العرب. ولندرك أخيرا بأننا أصبحنا في مستوى العمل المنظم .. والسلام.

 

*** 

أسئلة وأجوبة

 

* لماذا لم تشترك قوات سورية؟ هناك شائعات تقول بان الجيش تلقى طلبين من اللواء عامر، ولم يجب الجيش. سمعنا هذه الشائعات حتى من بعض الجنود.

* هل أسباب عدم دخول المعركة تعود لتلك الحكومة أم لأسباب فنية؟..

* إشاعة تقول بان طائرة مصرية خربت فوق قبرص وأرادت أن تنزل في مطارات سوريا فمنعت ونزلت في بيروت.

 

سأعطيكم جوابا مختصرا ولكنه سيتضمن الواقع، ولا أظن انه يجوز بحث تفاصيل، هي في مثل هذا الظرف، يجب أن تبقى في نطاق المسؤولين العسكريين والمدنيين.

أولا- كان ثمة في سوريا، دوما عرقلة لتقوية الجيش، وهذا بتأثير الإستعمار وعملائه ومن يتأثرون به وينفذون أغراضه. واشتد هذا التأثير الإستعماري في الأشهر الأخيرة كثيرا. وكثر العملاء، كما كان ذلك واضحا للشعب. فالجيش السوري قوي في روحه وإيمانه ومعنوياته، ولكن هذا لا يكفي كما تعلمون: هناك أشياء متممة للحرب، كانت تقام العراقيل في وجه توفيرها وتنفيذها، ثم وقعت المعركة. واعتقد -هذا تقدير شخصي- بان الشكل الذي ظهرت به المعركة كان فيه بعض المفاجأة، أي كان على غير ما هو منتظر، فهذه المفاجأة أخرت قليلا تنفيذ الخطط، وسببت بعض الضرر، لأنه لم يكن منتظرا أن تبدأ الحرب في سيناء، وبهجوم الجيش الإسرائيلي كله أو معظمه، كان الإعداد يتم لمواجهة العدو في مصر، في القناة، أما بالنسبة لإسرائيل فكان الأردن وجبهة الأردن هي المعتبرة أنها موضع الهجوم المحتمل. وعندما بدأ الهجوم في صحراء سيناء، صدرت الأوامر من القيادة المشتركة لتنفيذ الخطة الموضوعة، وشرع بالتنفيذ، أي إرسال قسم من الجيش السوري إلى الضفة الغربية في الأردن، وحصل هذا، ولكني لا استطيع أن أقول، بان هذه أشياء فنية لا يعرفها إلا الفنيون والمطلعون، هل حصل هذا على أحسن شكل ممكن؟.. وفي حينه؟.. وفي أقصى السرعة؟. هذا ما لا استطيع الجزم فيه. سمعت من ممثلنا في الحكومة بان هذا تم في (36) ساعة، فهل كان يمكن أن يتم ذلك في اقل؟..

ولكن المعركة تطورت بسرعة، فصدرت أوامر جديدة من القائد الأعلى -عامر- انه لم يعد من موجب -من حاجه - للدخول، لفتح جبهة، لدخول الجيشين السوري، الأردني لأنهم -كما اقدر- قرروا الانسحاب من سيناء لمواجهة الخطر في مصر ذاتها. وهذه خطة موفقة جدا، وقد نجحوا فيها، ولكن نتج عن ذلك أن جيش إسرائيل تفرغ كله لمصر.

هذه هي الخلاصة. فإذن ليس صحيحا مطلقا -على حسب اطلاعي واطلاع ممثل الحزب في الحكومة- بأن أوامر خولفت، كلا لم يحدث شيء من هذا. الأوامر نفذت، في عرف البعض بأنها نفذت على أحسن شكل، وان هذه المدة هي اقل ما يمكن لنقل القوات إلى الضفة الغربية.

والأوامر الثانية -بعدم التحرك -.. أيضا هذا وقع. لكن المهم في الموضوع بأنه لم يفت الوقت، ولم تنته المعركة، ومن واجبنا أن نطيلها ما استطعنا الإطالة. طبعا الأمور العسكرية يجب أن يحسب لها حساب، الرأي العسكري، لأننا لا نريد أن نعمل في الفوضى، فإذا كان رأى العسكريين بان اليوم وغدا مثلا، الاشتباك غير مفيد، ويحسن الانتظار إلى بعد غد، فالشعب لا يعترض على ذلك، ولكن بشرط أن ندخل وان لا تكون هناك مماطلة.

وإذا كان الشعب معبأ واستلم الشباب السلاح، وتدربوا، وانتشروا بين الشعب ليرفعوا معنوياته وليوضحوا له خطورة الموقف والمعركة، ويحذروه من التباطؤ والتخاذل والتآمر، فاعتقد جازما بان المعركة تظل في يدنا، ونستطيع أن نتحين فرصة قد تكون مناسبة لتوسيع المعركة. ومع العلم، بان توسيع المعركة لا يعني فقط اشتباك الجيوش، وان كان اشتباك الجيوش هو أهم شيء، وهو المظهر الجدي. ولكن للمعركة مظاهر عديدة لإيذاء مصالح الإستعمار، والضغط عليه. لتخويفه بان البلاد العربية كلها ستشتعل وأنها مصممة، وأنها لن يثنيها شيء عن تصميمها. وهذا يكون بصورة خاصة، عندما يدخل الشعب وانتم طليعته في جو الحرب، وهذا لم يحصل حتى الآن.

جو الحرب وما فيه من جدية وتحمل الحرمان، وتغيير كثير من العادات، ونمط الحياة العادية، وخلق روح حماسة وتضحية وبطولة في أوساط الشعب استعدادا لكل طارئ.

لان ما حدث الآن قد يكون بسيطا بالنسبة لما يخبئه الإستعمار، لأنه لم يعد يردعه رادع. لا الرأي العام العالمي، ولا هيئة الأمم؟ صار يعتدي بشكل وقح، فما الذي يمنعه من احتلال سورية وغيرها. لذلك من الضرورة أن يعبأ الشعب، وان يستعد. وفي هذا -اعتقد- الكفاية.

 

* اقترحت كندا إرسال قوة بوليسية دولية لوقف القتال. ووافقت هيئة الأمم. أخشى أن يكون ذلك مانعا لتوسيع المعركة.. ألا ترون ذلك؟.. لا سيما والاقتراح صادر عن كندا !.. لغرض الصلح مع إسرائيل وتدويل القناة نهائيا.

هذا يجب أن يكون مستبعدا لدرجة المستحيلات. الموضوع دوما هو المعنوي: الإرادة - التصميم - الوعي.

الذي لا يريد دخول المعركة. ولا يقبل بالتضحية، يستطيع أن يتذرع بأي شيء لإخفاء جبنه. والذي يدرك خطورة هذه المعركة وواجبنا في دخولها لا يتوقف عند مثل هذه العوائق. فنحن اعتدي علينا، وهذا واضح كالشمس، فلا اقتراح كندا، ولا قرار هيئة الأمم يمكن أن ينتقص من حقنا. ما دام قد اعتدي علينا بصراحة، ما دمنا مصممين على الاستمرار في المعركة، فكل هذه الأشياء لا تقف في طريقنا.

 

* في الحرب الفلسطينية انتقلت قيادة البعث إلى نابلس. والآن الحزب لم ينقل قيادته، ولم يصدر أي بيان ولا أي أمر إلى الشباب.

الحزب كان يعد بيانات عندما كانت وسائله قليلة. اليوم رأي الحزب معروف في كل مكان، وجريدة الحزب، وأيضا يمكن أن يصدر الحزب بيانا. فهل هناك من يشك في موقف الحزب لكي يصدر بيان؟..

وفي حديث أعطي لفرع الحزب في سوريا ولبنان دعوناهم إلى أن يعبئوا أعضاء الحزب ويجندوهم. وهم في انتظار تسلم الأسلحة من الحكومة، واعتقد بان الحزب يجب أن يتجند بكامله إلا من هو دون السن أو له عذر واضح.

وأحب أن أراكم في وضع آخر.. لا تنتظروا كل شيء.. لماذا لم تسهلوا مهمة الحزب؟.. ليس فقط في الطلب، وإنما في التنفيذ؟.. المسؤولون عددهم قليل وهم منشغلون بأمور كثيرة.

القيادة المصرية تعرف إن كل بعثي هو تحت تصرفها. ولا يثقون في فئة بمقدار ثقتهم بهذا الحزب، بقي أن تكون عندكم انتم روح المبادرة، وان تنظموا أنفسكم. إذا لم تقدروا على أشياء فالقيادة تقوم بأعمالها: السلاح من الحكومة مثلا.

نظموا قوائم، والحكومة سوف تعطينا السلاح.. إذا بقي أشخاص فان باستطاعتهم أن يقوموا بأشياء أخرى أو أننا نحصل على السلاح ونبحث عنه من مصدر آخر غير الحكومة.

وإذا ا يتيسر أن نذهب إلى مصر فالمعركة ليست هناك فقط. هناك مجال للنضال في فلسطين مثلا، وفي الجيش والفدائيين والعصابات.

 

* لو كان تباطؤ الجيش ناتجا عن عدم وجود أوامر من عامر، الا نناقش هذا؟

لو كان الأمر في يدنا، قد لا ننتظر أوامر من عامر، ولكن الحكم ليس في يدنا، أو أن الجزء البسيط الذي في يدنا لا يستطيع تغيير طبيعة الحكم تغييرا كليا. وهناك أوامر عسكرية يتذرعون بها.

 

4تشرين الثاني 1956

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع