ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


حول تحدي فرنسا وصنائعها للاستقلال

 

في هذه الأيام(1) التي أخذت تتطلع فيها الأمم الى مستقبل يسوده الحق والعدل والوفاق، أبت فرنسا الا ان تعلن حقيقة فهمها "للنصر" الذي لم يكن لها في إحرازه نصيب كبير، وللمبادئ السامية التي كانت عنوانا لهذا النصر، والتي لا ترى فيها فرنسا غير وسيلة للاتجار، كأن مهمتها في العالم لم تعد غير تشويه تلك المبادئ وإزالة قدسيتها وإضعاف ثقة الناس بها.

هكذا لم تجد فرنسا مناسبة، خيرا من ايام النصر تظهر فيها (بما أثاره رجالها وموظفوها من فتن وتعديات وقحة مبتذلة)، انها غريبة عن حقيقة النصر وما يلهمه من معاني التجرد والسمو، وما يكسب صاحبه من رصانة ووقار.

وهكذا لم تجد فرنسا وقتا انسب من وقت انتهاء الحرب لتأتي بجيوش جديدة الى أرضنا، بدلا من تسليمنا جيشنا المغتصب منا، ومن إجلاء ما لها من قوى عسكرية قضت ضرورات الحرب بوجودها في بلادنا، فكان هذا الجيش الذي استقدمته رمز للغدر الأصيل والحقد الأسود. ليس في موقف فرنسا أية مفاجأة لنا، لأنها لم تبرح منذ خمس وعشرين سنة تعرّفنا بنفسها، وتقيم الأدلة على نكثها بالعهد، وامتهانها للحق، وتآمرها المجرم على استقلال شعبنا الآمن بتمزيق وحدته، وتسميم ثقافته، والطعن في قوميته. ولكن الفئة الحاكمة في سوريا رأت، بدافع الجهل والنفعية، ان تتجاهل هذه الحقيقة، وتسكت عن مماطلة الفرنسيين وخداعهم، فأضاعت على البلاد أثمن الفرص.

 

يا شعب سوريا العربي

في هذه الايام التاريخية التي يقرَّر فيها مستقبل الأمم لعدة أجيال، تُعرض فرصة تستطيع فيها ان تُظهر للعالم كفاءتك للحياة الحرة، وصدق تعلقك بالإستقلال، بنسبة استبسالك في الدفاع عن حريتك، وبقدر ما تبذله في سبيل استقلالك من جهد وتضحية.

ان تحدي فرنسا وصنائعها من الخونة والشعوبيين لاستقلالك وكرامتك القومية هو تحد واضح قوي. فليكن جوابك عليه بنفس الوضوح والقوة.

قاطع المتعاونين مع الأجنبي. ضع حدا لدعايات الشعوبيين خدام الإستعمار الفرنسي. افرض على الحكومة موقف حزم وصلابة، وطالبها بان تنهي المفاوضات مع الفرنسيين في أيام معدودة، في سبيل استكمال الصلاحيات واستلام الجيش السوري، دون الارتباط بأي عقد او معاهدة.

 

يا شعب سوريا العربي

انك اذ تستقبل ممثل فرنسا بإضراب شامل، ووحدة قومية رائعة، استنكارا لما ينوي هذا الممثل فرضه، باسم دولته، على حريتك واستقلالك من قيود، افهمه انك لا تزال تؤمن بان الإستقلال يؤخذ، ولا يعطى، ذكّره بان هذه الأمة التي انتزعت من فرنسا استقلالها انتزاعا، بما أراقت من دماء، وقدمت من شهداء، وما تزال هي هي عربية الأصل والسجية، تعشق النضال، وتلد الأبطال.

عن مكتب البعث العربي

ميشيل عفلق

آيار 194516

(1) حين بدأ الشعب العربي فى سوريا يطالب باستقلاله بعد الحرب، وكان الحلفاء قد وعدوا قبلها بإعطاء سوريا استقلالها، استقدمت فرنسا جيشا جديدا للقضاء على كل تطلع للحرية. وكانت الحكومة آنذاك مؤلفة من العناصر التي زعمت دائما انها قائدة الحركة الوطنية. فدخلت مع فرنسا في مفاوضات، كان هدف فرنسا منها كسب الوقت لضرب النضال الوطني. وكانت تلك العناصر المتعاونة مع الإستعمار، جزءا من الخطة في موقفها ذلك. فطالب حزب البعث بالإضراب الشامل، كتعبير عن رفض الشعب لكل مساومة، ولكل ارتباط بمعاهدات ومواثيق، عند مقدم ممثل فرنسا الجديد في سوريا. ثم دعا الحزب الى النضال حتى ينال الشعب حريته كاملة. وكان البيان من أوائل البيانات التي فضحت الفئة الحاكمة المتعاونة مع الإستعمار.

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع