ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


السياسة الأمريكية حول فلسطين

 

ان القرار(1) الذي اتخذه الحزب الديمقراطي الأميركي مؤخرا بشان فتح فلسطين للهجرة اليهودية وجعلها وطنا قوميا لليهود، والذي جاء على اثر قرار بنفس المعنى للحزب الجمهوري، يعتبره العرب تعديا فاحشا من قبل الدولة الأميركية على حقوقهم لايقل في شيء عن التعدي البريطاني في وعد بلفور المشؤوم، ويرون فيه حائلا دون اي تفاهم وصداقة بين تلك الدولة وبينهم.

لقد وقفت الأمة العربية في هذه الحرب، بالرغم من التجارب الأليمة التي عانتها طوال ربع قرن مع ظلم الإستعمار الأوروبي وخداع السياسة الأوربية، من قضية الحلفاء موقف عطف واستبشار، مؤملة ان تكون تلك التجارب نفسها قد اوصلت العالم الغربي الى الاقتناع بفشل مبدأ السياسة الإستعمارية من اساسها. وكان معظم أملها معلقا في هذه المرة على دخول عنصر جديد على السياسة الأوروبية، نعنى المبادئ التي كانت أميركا قد أعلنتها في الماضي، ودخلت الحرب الحاضرة على أساسها وفي سبيل تحقيقها.

ولكن موقف الاحزاب الأمريكية الاخير من قضية فلسطين قد قضى نهائيا على هذه الآمال واظهر للعالم اجمع وللعرب بصورة خاصة ان السياسة القديمة هي التي لا تزال سائدة، وان المبادئ العادلة والمثل العليا لم تزل في نظر الدول الغربية، سواء في القارة الأوروبية أم في أميركا، أداة تسخر لنيل مآرب ومنافع بعيدة عن تلك المبادئ والمثل كل البعد.

واذا كنا نذكّر أميركا بمبادئها ومواثيقها الرسمية، فليس ذلك لأننا نركز حقنا على هذه المبادئ والمواثيق، فحق العرب في فلسطين هو حق طبيعي وتاريخي تؤيده ألوف السنين من الجهاد والعمل المنشئ المتصل. ولكننا نخشى ان تقدم أميركا على الاعتداء على حق العرب الصريح بتأثير دعاية الرأسمالية الصهيونية وتضليلها وهي تحسب انها تناصر الحق وتخدم السلم والعمران وأنها تحقق مبادئها في هذه البقعة المقدسة من الأرض العربية.

فالعالم العربي ومن ورائه العالم الإسلامي لا يعتبر هذا السلم العالمي الذي تسعى اليه الدول المتحالفة سلما حقيقيا اذا كانت حقوقهم منذ الآن تغتصب وتداس. ويعتبر ان السلم لن يتوطد بالنسبة إليهم إلا متى استردوا تلك الحقوق بكاملها.

ان مكتب البعث العربي، الذي ينطق باسم العرب القوميين يحتج على موقف الدولة الأميركية من فلسطين ويرجو منكم ان تبلغوا احتجاجه الى المراجع الرسمية. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

عن مكتب البعث العربي

ميشيل عفلق

دمشق في 10 آب 1944

(1) كتاب الى المعتمد السياسي الاميركي في سوريا، صدر عن مكتب البعث العربي في 10 آب 1944

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع