ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


في الإشتراكية بقاء الأمة وَتقدمَها

 

استهل الأستاذ ميشيل عفلق حديثه عن الصلة بين الشعب والشباب:

ان بين الشباب العربي والشعب العربي فُرقة لم يقصدها احد من الطرفين وإنما وقعت بحكم الاضطرار، فلا الشعب أراد ان يبتعد عن أبنائه الشباب ولا الشباب أرادوا ان يبتعدوا عن الشعب، ولكن حالتنا غير طبيعية، ولو كانت الأوضاع سليمة صحيحة شأن البلاد الراقية لكان هذا الاتصال امراً ميسوراً وطبيعياً ولما كنا سمينا شعبا وشبابا وفرقنا بينهم لان الشباب هم من الشعب أبناؤه وإخوته.

ولهذه الحالة غير الطبيعية أسباب ومبررات، فوجود أفراد وفئات تستغل موارد البلاد ومواهب الشعب وتصده لكي يسهل عليها استغلاله، لا يوافقها ابدا ان يكون هناك اتصال بين الشعب وأبنائه المخلصين الذين يفهمون حاجاته ويطمحون للتعاون معه لبلوغ الغاية المشتركة لمصلحة الأمة جمعاء.

ثم انتقل الى الكلام عن الاشتراكية فقال:

موضوع حديثنا عن الاشتراكية. والاشتراكية بصورة بسيطة كما يفهم من لفظها هي ان يشترك جميع المواطنين في موارد بلادهم بقصد ان يحسنوا حياتهم وبالتالي حياة أمتهم لان الإنسان الفرد لا يقبل ان يجعل نفسه غاية في الحياة حتى أن أدنى المخلوقات البشرية في الأخلاق والتفكير نرى فيها هذا الميل وهذه الحاجة الى ان تجعل لحياتها غاية أبعد من مصلحتها الشخصية، فبالأحرى الإنسان الراقي الذي لا يستهدف سوى نجاح أمته وازدهارها. والاشتراكية يمكن ان تفهم ايضا بأنها نظرية اقتصادية حديثة ظهرت في قسم من بلاد العالم في هذا العصر، ولها تعاريف وأصول وأنظمة معروفة، غير انها كلها ترجع الى هذا التعريف البسيط الذي قلنا اي اشتراك المواطنين ني موارد البلاد التي هم منها.

لكن علينا ان نعرف بان للاشتراكية معنى آخر غير معنى نظرية معينة ظهرت في الغرب. لها معنى طبيعي مستساغ من النفس البشرية والعقل والضمير، وهي بهذا المعنى لا تخص امة بعينها او تخص عصرا او زمانا بذاته. هي شيء أعم واثبت من النظرية.

أيها الاخوان:

الحقائق هي دوما بسيطة. وليس كنور الشمس حقيقة ملموسة وهو من أبسط الحقائق. ماذا نريد في الحياة لأنفسنا ولأمتنا وللأرض التي نعيش عليها؟ هل نريد لها الا الخير والتقدم؟ هل نريد لها الا ان يكون الواحد منا ضامنا لحاجاته، وان تكون السبل مفتوحة أمامه لكي يظهر مواهبه وينشط ويعمل وينتج في النواحي التي يجيدها وان يضمن مثل هذا السبيل لأولاده. وبالتالي نريد لأمتنا ان تكون امة يسودها الخير والعدل والإنتاج النشيط الراقي، وان تكون حالتها الاجتماعية على أرقى شكل ممكن في العلوم والفنون. هذا ما يريده الفرد وما يريده المجموع فكيف يمكن ان نحقق هذه الغاية؟

ان أقلية من الناس تملك معظم الثروات وتسيطر على السلطة وتتصرف بها حسب رغباتها، وهي لا تكتفي بذلك بل تطلب المزيد. والنتيجة الطبيعية هي ان تحرم أكثرية الشعب من حقوقها. ولو كان الأسياد يستطيعون ان يحرثوا الأرض بأنفسهم أو يشتغلوا بالمصانع لحرموا الشعب من كل حقوقه. لذلك فأنهم يجدون أنفسهم مضطرين الى ان يعترفوا للأكثرية بحق بقاء الرمق حتى يستطيع الشعب العمل للأسياد.

في هذه الحالة من الاستثمار والاستغلال لا يكون الغبنُ واقعا على أفراد او فئة من الناس وانما تكون الجناية على الأمة بأسرها. والبلاد المتأخرة هي تلك التي يكون أفرادها محرومين من أكثر حقوقهم متأخرين في صحتهم وعلمهم وإنتاجهم الاقتصادي. ان هذا الوضع الشاذ أي سيطرة أقلية من أبناء البلاد على ثروتها، وحرمان اكثرية الشعب من حقوقه الطبيعية المشروعة، يحول دون تقدم الوطن، فهذه المنافع التي يجنيها المستغلون تخنق مجموع الشعب وتحكم على الأكثرية الساحقة التي هي مجموع الأمة تقريبا بأن تدفن وهي حية، فالشعب الذي يستطيع ان يصنع وينتج ولا يسمح له الا بإنتاج بسيط ولا يعطى الا مدى ضيقا محدودا جدا في الحياة، ويفرض عليه الجهل والمرض والخوف والعبودية، هذا الشعب هو في حكم الميت وان كانت روحه في صدره.

فاذا فهمنا الاشتراكية بهذا المعنى وهي اننا نريد ان نرجع الى الحالة الطبيعية المشروعة المعقولة وان ينال كل ذي حق حقه حسب جدارته وكفاءته ويسمح للشعب بأن يظهر مواهبه ويستفيد منها، عندها يمكن ان يرتقي الشعب اي المجموع، فالطبقة الشعبية تساوي الامة تماما لأنها الاكثرية الساحقة والعنصر المنتج حقيقة.

فالاشتراكية اذن ليست شيئا غريبا صعبا أتانا من بلاد نائية وفيه نظريات معقدة. انها الشيء البسيط المشروع الذي يطلبه كل عقل سليم وضمير حي، ولا يمكن لأي فرد او فئة ان يكون مخلصا لوطنه، يشعر شعورا صادقا نحو أمته ويأبى في الوقت نفسه على الشعب هذا الحق، لان القومية التي هي الغيرة على مصلحة الامة، والاشتراكية تكادان تكونان شيئاً واحدا.

فتحقيق الاشتراكية في حياتنا شرط اساسي لبقاء أمتنا ولإمكان تقدمها، واذا لم تعمم الاشتراكية ولم نسع الى تحقيق العدل الاجتماعي لجميع الافراد، ولم ينقلب الشعب العربي الذي يعد سبعين مليونا، الى شعب منتج الى أقصى حدود الطاقة اذا لم يتحقق كل هذا يكون كل كلام عن حرية العرب واستقلالهم ضربا من اللغو ونوعا من التضليل.

ان المصلحة القومية وبقاء الامة ومجاراتها للامم الراقية وصمودها في تيار التنافس بين الدول متوقف على تحقيق الاشتراكية، اي السماح لكل عربي دون تمييز او تفريق بأن يصبح حقيقة ملموسة منتجة لا وهماً من الأوهام.

7 تشرين الاول 1950

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع