ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الرابع


التضحية بمعاني الحياة الجميلة

 

 

أيها الاخوان (1)

اعتقد ان الفائدة التي حصلتم عليها من المخيم تمت بصلة وثيقة الى مبادئ الحزب. ففكرة البعث نضالية انقلابية تقضي بأن يتكون في الامة جيل يتصف بصفات اساسية تمكنه من قيادة الانقلاب .

فالانقلاب العربي لن يحققه اعضاء البعث وحدهم، فهم ليسوا الا الطليعة التي سترشد الاكثرية من الشعب نفسه. وهذه الطليعة التي يجب ان تعد عشرات الالوف هي الضامن لتحقيق الانقلاب. وقانونها هو ان تنظر الى الحياة نظرة جديدة مختصرة قوية، اي ان تتحرر من كثير من الاثقال التي يحملها للافراد مجتمعنا المريض، اثقال التعلق بالمادة والاعتبارات المعنوية الزائفة، والانانية والمنفعة الخاصة وان تصبح هذه الطليعة خفيفة في نفسها اي ان تكون متحررة من القيود غير عابئة بالمنافع واسباب اللذة والراحة، خفيفة ايضا في اسلوب عملها كي تستطيع تحقيق الانقلاب .

فالشرط الفكري والنفسي لنضال كنضال البعث العربي هو ان يكون كل بعثي كما كان اعضاء المخيم في هذه الفترة الوجيزة من الزمن. فليست الغاية من المخيم تجربة عارضة محصورة في عدد من الاعضاء لفترة ما، بل هي تجربة يجب ان تكون قدوة لحياتكم، اي ان تكون غاية البعثي ان يعيش كجندي غير عابىء بالاعتبارات الزائفة التي تسود المجتمع.

هكذا تتركز الحياة في نقطة واحدة وتتجمع الامكانيات وتتجه في طريق واحد فيكون أثرها خلاّقاً عظيما. ففي مرحلة الانقلاب يجب ان نفرق بين ما يمكن الاستغناء عنه، وما يجب الاستغناء عنه، أي بين ما هو رئيسي وما هو غير ذلك.

في الحياة اشياء كثيرة ذات قيمة وفيها جمال، والانسان السوي هو الذي يحس ويدرك معاني الحياة وقيمتها وجمالها. ولكن عندما لا تكون هذه القيم متوفرة لجميع افراد الشعب، وتكون حياة الاكثرية من الشعب فاقدة لكل معنى وبهجة وكرامة، فان الذين يدركون جمال الحياة يدركون ان تضحيتهم بهذه المعاني الجميلة هي الطريق الوحيدة لكي تصبح هذه القيم مشاعة بين ابناء العروبة جميعا لذلك يتخلون عنها طوعاً واختياراً .

كثيرا ما نسمع من الجيل القديم من الذين لم تمسهم روح المثالية والتضحية في سبيل المجموع، يشفقون على الذين يضحون بجمال الحياة في سبيل مبدئهم ويقولون ان هذا شيء حسن، وهذه مبادئ جميلة، الا انها لا تستحق ان يشقي الانسان نفسه من أجلها ويعيش في البؤس ويتخلى عن متع الحياة. وكثيراً ما سمعنا من اهلنا وجيراننا مثل هذه النصائح المتخاذلة الانهزامية، وجوابنا كان دائما بأن هذه الاشياء المعروضة علينا في الحياة وفي هذا المجتمع خاصة قد تكون جميلة وفيها ما يغري العقل والنفس، الا انها لا تستحق ان يتخلى الفرد العربي عن ذرة من مبادئه في سبيل الاحتفاظ بها.

هذه العقيدة باننا اخترنا طريقنا مرة واحدة وأخيرة، واننا لن نلتفت وراءنا ولن نتحسر على ما تركناه لاننا حكمنا بأنه لا يستحق ذلك، هذه العقيدة تخفي وراءها قوة وغنى، لان المادة لم تكن يوما حقيقة في الحياة بل مظهر وهي مظهر خادع، والحقيقة كلها هي في القوة التي ينفذ بها الانسان الفكرة الاصيلة في حياته .

16 أيلول 1950

(1) حديث في استقبال العائدين من مخيم البعث في بلودان، نشر في جريدة "البعث"، العدد 466.

 

الصفحة الرئيسية للجزء الرابع