ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الثالث


البعث طاقة حية متجدّدة

 

ايها الرفاق المناضلون (1)

يا جماهير أمتنا العربية الخالدة

تأتي هذه الذكرى، الثالثة والثلاثون، لانعقاد المؤتمر الاول لحزب البعث العربي الاشتراكي، لتذكرنا بجملة من الحقائق الموضوعية التي ميّزت مسيرته. وكانت معالم بارزة في حياته، وفي ُمقدمة تلك الحقائق: استمراريته النضالية.

ان ماضي أربعة عقود من المعاناة النضالية، ومن الآلام التي تخللتها، ان هذا الماضي، قد صنعه مناضلون مؤمنون من ابناء هذه الأمة المجيدة، تتابعوا قوافل وأفواجا، يحملون راية النضال والتضحية والصبر. فكانوا يتساندون ويتناوبون. وعندما كانت مسيرتهم النضالية تضعف في قطر، او تتعرض لنكسة، كان المناضلون في الاقطار الاخرى يضاعفون عزمهم وجهدهم. ان هذه الاستمرارية قد كانت تبرز دوما كحقيقة ناصعة، بالرغم من العثرات والنكسات والنواقص الذاتية، وهي التي أكدت هوية فكرية، و عبّرت عن شخصية متميزة، ورسمت خطا ً نضاليا ً تاريخيا.

وهذه الحقيقة الموضوعية، هي ما يجدر ان نركز عليها الانظار، وان يستخلص البعثيون المعنى العميق الذي تنطوي عليه. فجوهر هذه الاستمرارية، انما يكمن في السمات التي ميزت فكر البعث ونضاله، وجعلت منه حركة تاريخية يتعلق بها الشباب العربي، ويرفدها باستمرار بالمناضلين لانها كانت تحقق له ما لا يراه في حركات اخرى، ولأنه كان يعتبرها المؤهلة لأن تحمل مبادئ الثورة العربية واهدافها بالشكل الجدي والثوري والعقلاني الحديث، المتجاوب مع روح العصر ومع تطلعات الجماهير.

فالبعث كان يشكل في نظر الاجيال العربية المتعاقبة، الروح الصامدة المتفائلة المُصممة التي لا تعرف المساومة ولا التراجع ولا التردد. والروح الاخلاقية الصادقة التي تكشف كل ما هو زائف في الحياة وفي النضال. والحركة التي انطلقت من الاصالة والارتباط الوثيق بالتراث الى الحوار مع المجتمعات الحديثة، والتي آمنت بالشعب وبالجماهير وإنها هي التي تصنع التاريخ. وآمنت بالانسان وبالحرية، وبان رسالة الأمة لا تتحقق الا في امة موحدة، وكانت فكرتها عامل تصحيح وتعميق مستمر للوعي القومي وللمسيرة النضالية.

ايها الرفاق البعثيون

إن الأفواج المتلاحقة من المناضلين العرب، الذين تناوبوا حتى ُيوصّلوا شعلة البعث إلى الأجيال الجديدة، لا يمكن أن ُيوفى ماضيهم حقه من التكريم والتقدير، والإجلال لتضحيات الشهداء إلاّ إذا جعلت الأجيال الجديدة من هذه المناسبة القومية سبيلا ً وحافزاً إلى اقتحام المستقبل، بنفس الروح التي انطوت عليها مسيرة البعث خلال أربعين عاماً، بكل ما فيها من توتر، وطاقة مختزنة ومتحفزة للانطلاق والتحقق.

فقد كان البعث حاضرا بكل مبررات وجوده، في كل مناسبة قومية ُتذكّره بماضيه، لينتزع العبرة من هذا الماضي وُيسلط الضوء على المستقبل، حتى يبقى منسجماً مع ذاته ومع السمات التي جعلته حركة أصيلة، تشق طريقها الصعب، وهي موطدة العزم على انجاز مهماتها التاريخية كاملة.

فقد كان دأب حزبنا المستمر، ان يبني بناء صامداً للزمن، وان يحفر مجراه بعمق في المسيرة التاريخية للأمة، وهذا ما جعل البعث يتميز عن الحركات التي اكتفت بان تفجر اوضاعاً، وان تنهي مرحلة دون ان تتمكن من وضع اساس راسخ لبناء متين، يكفل لها الاستمرار العميق. فكانت تلك الحركات تتألق ثم ما تلبث ان تخبو بعد قليل، وينحسر تأثيرها، وتدور حول مشكلاتها القريبة فلا ترى البعيد، وحول نفسها، فلا تتمكن من تطوير نضالها وتتجاوز ذاتها.

في حين بقي البعث طريقا صاعدة، وطاقة حية متجددة، تنتصر على النكسات، وتصنع الانتصارات. ولا سيما بعد ان استلم العراق شعلة البعث المتوقدة، وأعطاها قوة وتوهجاً عظيمين.

يا ابناء شعبنا العربي

لقد جاءت الاحداث تؤكد صواب نظرتنا القومية الاشتراكية المستقلة، المعبرة عن نظرة جديدة الى العالم، والى العلاقات الدولية، فان ما يجري اليوم من احتكاك بين القوى الكبرى، واقترابها من الساحة العربية، انما يعزز هذا النهج والمنطق الذي رافق مسيرة البعث، والذي أستند الى يقين، بان الجماهير العربية قد بلغت درجة من النضج والتمرس بالنضال، تؤهلها لشق طريقها المستقل، والاعتماد على قواها الذاتية وبناء مستقبلها الخاص الأصيل.

وهذه الحقيقة نفسها، هي التي تلقي الضوء على مستوى الصمود الذي تواجه به الأمة العربية شتى ضروب التآمر على قضيتها. وبخاصة الهجمة الامبريالية - الصهيونية المتمثلة باتفاقية (كامب ديفد) التي استهدفت طمس الحقوق القومية وكل التضحيات التي دفع الشعب العربي في مختلف أقطاره ثمنا لها، على امتداد نضاله الطويل.

فالاحداث تأتي لتكشف بعد سنة من توقيع هذه الاتفاقية، ان ما يجري الآن هو مكابرة لتغطية فشل اخراج مصر من معركة المصير العربي. فالسادات يزداد عزلة ً عربية يوما بعد يوم، وبزداد عزلة عن جماهير مصر ذاتها، هذه الجماهير التي ادركت خطورة الحدث وحجم الخيانة التي اقدم عليها السادات، وكشفت الخدعة المسرحية التي حاول ان يغطيها بمختلف اشكال المنطق المُستعار، والقيم الهجينة، ليخدر الشعب، ويطامن المصالح الطبقية التي تعيش على استغلال الشعب، والتي اصبحت قاعدة نظام السادات، المعادي لثورة عبد الناصر البطولية.

فالجماهير، بقطاعاتها الطلابية والعمالية والمثقفة في مصر، التي تعبر عن استنكارها بين حين وآخر، وتتعرض للاضطهاد والقمع، انما تؤكد ما توقعته الأمة العربية من قطرها المناضل، وتعزز الثقة بالقدرات النضالية المتنامية فيه، وبقدرتها على افشال المخططات الامبريالية والصهيونية، التي ينفذها السادات.

فالزمن يسير نحو انضاج التعبير الشامل والجارف الذي اعتادت عليه جماهير مصر. وبالرغم من الفراغ التنظيمي والسياسي لعشرين سنة، والوضع العربي الممزق، تؤكد الدلائل الايجابية الواعدة بانتصارها على محنتها، هذه المحنة التي تشكل اليوم الجانب الموجع والاكثر إيلاما من محنة الأمة.

فالأمة العربية، بنضالها المتصاعد في كل قطر عربي، انما تنهي مرحلة من الشك والقلق، استغلها، وراهن عليها الأعداء، والانظمة المستسلمة لمخططات التسوية. لان وعي الجماهير العربية، على امتداد الوطن العربي، بات يطوق المؤامرة، ويستوعب الحقائق النضالية التي كشفتها الاحداث، والمعاناة القومية. وفي مقدمتها الحقيقة التالية: وهي ان نضال كل قطر، لن يكون قادرا على التخلص الكامل من قيوده، ولا على الاقتراب الجاد من تحقيق أهدافه الوطنية، والقومية التحررية، اذا لم يتعزز بنضال قومي موحد.

لذلك باتت الجماهير العربية تدرك بوضوح العلاقة العضوية المباشرة، بين المشاريع الاستسلامية، وبين المخططات المعادية للوحدة، والمآل الخطير لتلك المشاريع، مهما اختلفت صيغتها، على مصير الأمة. وان وحدة الأمة هي الطريق الوحيد لحل مشكلاتها الاساسية.

يا ابناء امتنا المناضلة

إن تآمر الأعداء ينصب بالدرجة الأولى على هدف الوحدة. لان الوحدة، منذ ان تحققت اول تجربة لها قبل اثنين وعشرين عاماً، لم تعد تعني، حتى بالنسبة للامبريالية والصهيونية، إلاّ بداية تحرير فلسطين. وبتعبير آخر، فان التجزئة اصبحت تساوي بقاء واستمرارية الكيان الصهيوني المغتصِب لفلسطين.

وكما ارتبطت قضية الوحدة بمعركة التحرير، فانها ارتبطت بنفس الدرجة وبنفس القوة بثورة الجماهير العربية. لان تلك الوحدة، لم تكن ممكنة، إلاّ لأن الجماهير العربية قد عرفت في ذلك الحين أعظم وأوسع مد ثوري نضالي.

ان جماهيرنا العربية، تدرك بحسها العميق ان الوحدة مرادفة لحياتها ومصيرها ومستقبلها، وانها وحدها هي الثورة. وانها معيار التقدم والنهضة. والكاشف الثابت والدائم لنواحي الضعف والخلل والتقصير في مسيرة الثورة العربية.

وهكذا يغدو مطلب الوحدة ثورة مستمرة في الحياة العربية الحديثة، يستدعي المراجعة الدائمة لكل نواحي العمل الثوري: في التوعية العامة، وفي التربية، وفي التنمية، وفي إعداد القوة المسلحة، وفي توزيع الثروة، وتأهيل الجماهير الواسعة، وإطلاق حريتها لكي تعبر عن إرادتها الوحدوية، وتجسدها نضالا، يخترق الحدود القطرية المصطنعة، وُيلحِق الفشل بكل مؤامرات الأعداء، ويخلق تحركاً تاريخيا لا يتوقف الا بتحقيق الأهداف القومية.

يا جماهير امتنا البطلة

لقد جاء الإعلان القومي، الذي طرحه الرفيق الرئيس صدام حسين في الذكرى السابعة عشرة لثورة 14 رمضان البطولية الاصيلة، مستوعباً لتلك الدروس كلها. فهو قد توجّه في ظرف من اخطر الظروف التي تمر على الأمة العربية، الى الانظمة العربية على اختلاف اتجاهاتها، ومن فوق الانظمة، الى الجماهير العربية في ارجاء الوطن الكبير، لكي يجعل من الصراعات الدولية، والاطماع التوسعية، المهددة لاستقلال الاقطار العربية، والطامعة في الاستيلاء على ثرواتها، ويحولها الى مناسبة فريدة، تعبر فيها الأمة العربية وجماهيرها المناضلة، عن إرادتها الراسخة في الاستقلالية، ورفض التبعية، وانتزاع حقها الطبيعي في ان يكون لها دور وكلمة مسموعة، على الصعيد الدولي، في قضايا السلم والحرب، وقضايا التحرر والسيادة، والقضايا الاقتصادية، التي تمس مصير الشعوب، ومستقبل العالم.

ففي الاعلان القومي، روح ثورية لا بد ان تقوى وان تتعمق، وان تكون مقدمة نحو إنعاش آمال وحدوية، كلما تجاوبت، وتفاعلت مع الجماهير العربية.

فقد قدم العراق، من خلال تجربته الثورية، دليلا جديدا على نضج التجربة العربية الثورية. وان الثورة العربية، التي هي حصيلة قرن ونصف من المعاناة الفكرية والنضالية، ماضية نحو استكمال حقيقتها كقاعدة انطلاق نحو مرحلة انسانية جديدة.

ايها الاخوة المناضلون

ان نضج التجربة العربية المعاصرة، هو الذي جعل الأمة العربية تستوعب امراض واقعها وأمراض عصرها. وجعل نضالها على مستوى الانبعاث العميق الشامل، والمستوعب للأبعاد الروحية والإنسانية للوجود القومي. لذلك كان من الطبيعي ان يؤكد تراث حزبكم من البداية، على ان الانبعاث القومي، لا بد ان يقترن بانبعاث روحي ينبثّ في كل حياتنا، الخاصة والعامة، كروح وأخلاق ودافع للثورة وللتجدد، ومحرض على التعمق، والتحرر من الجمود والمصالح الخاصة، او من الزهو والغرور الذي يرافق السلوك السياسي السطحي، والعودة الى الينابيع الروحية والاخلاقية. فالانبعاث الروحي يفعل المعجزات عندما يحرك أعمق القوى في الجماهير، ويدفعها الى الاستشهاد والبطولة.

ولكن عندما يراد لهذا الانبعاث الروحي ان يقنن في اشكال ضيقة، تدخلها عوامل ومصالح غريبة عن روحه، ويرتبط باهداف لا تستوعب منطق العصر، فان المنطلق الروحي يبتعد عن حقيقته. لا بل، ويهبط احيانا الى مستوى الارهاب المعنوي والمادي الذي تمارسه اليوم، القوى التي تدعي لنفسها تمثيل القيم المطلقة، والتي يعطل حقدها الدفين على العروبة كل استعداد للحوار والتعاون المخلص مع حركة الثورة العربية، وما تنطوي عليه، من آفاق رحبة، وانبعاث روحي عميق، والتي لا تعرف الضيق والحقد والتعصب، لانها تنظر الى الحرية والى الأفق الإنساني الحضاري كشرط للانبعاث الروحي الاصيل.

لذلك فنحن البعثيين، نستشعر الحاجة الدائمة في نضالنا الى الاستلهام الحر للينابيع الروحية، والانشداد الى جو القيم المطلقة، والى استنشاق هذا الهواء النقي، لكي تبقى الثورة القومية في مستوى عال، وفي تدفق حيوي، وفي منظور حضاري رسالي انساني.

وعندما تكون المسيرة ثورية بكل ابعادها، القومية والاجتماعية والاخلاقية والانسانية، فانها تروي ظمأ النفوس المتعطشة الى المُثل، وخاصة تيار الشبيبة المتطلع الى الخلق والابداع والانجاز التاريخي.

فالشباب يفتش عن مسرح لبطولته، وعندما تغيب الملامح القومية والآفاق الروحية المُفجّرة للدوافع العميقة للثورة، فانه يؤول الى التمزق والقلق، واحيانا ً الى العنف.

وقد ادرك البعث منذ الوهلة الاولى، اهمية الطاقة الثورية المثالية لدى الشباب. كما نظر الى هذا العصر من خلال كونه عصر الجماهير الشابة. ونظر ايضاً الى الأمة العربية في نهضتها على ضوء هذه النظرة. فهي أمة شابة ثائرة. وهي لابد ان تعتمد في ثورتها اعتماداً اساسيا على عنصر الشباب.

لذلك انطلق البعث من اجواء الشباب، فكانت الشبيبة المثقفة قاعدة نضاله الأولى، ومنها انطلق الى البيئات الثورية الحية الاخرى، حيث الكادحون من العمال والفلاحين والجنود وابناء الشعب المناضلين.

فالبعث يرى في معاناة الاجيال الجديدة، وفي قلقها، دليلا على اعتمال الثورة في نفوس الشباب العربي، وحاجة هذه الثورة الى التحقق، جنباً الى جنب مع نضال الجماهير ومن خلال الحرية والمسؤولية، كشرطين أساسيين، لجعل هذه الثورية عميقة وجدّية، وعامل تجديد دائم لأعمال الثورة العربية، وبخاصة في الاقطار التي اصبحت انظمتها عقبة في وجه دور الشباب، وتطلعاتهم وطموحهم، واصبح واقعها تشويه لدوافعهم المثالية، وإجهاض للدور القومي المُتميز لتلك الاقطار.

يا جماهير امتنا العربية

ان طاقات ضخمة ما تزال معطلة في الأمة. وما تزال اوضاع التجزئة تغري اعداء النهضة العربية، برفع التحدّيات في وجهها، وإنزال النكسات في مسار القضية العربية. هذا في وقت تتجمع فيه الدروس والعبر الكافية لاستخلاص الحلول، وشق طريق جديد امام النضال العربي. والدرس الاول، يكمن في ضرورة التواصل والتساند بين القوى العربية المناضلة، وتجنب آفات الاستئثار في العمل القومي، والتوجه نحو القوى المختزنة في الأمة لإطلاقها في وجه العدو.

فالأمة باتت ُتعوّل على دور الجماهير العربية، التي ما تزال طاقة احتياطية لم ُتستغل بعد. وعلى مجيء المغرب العربي بقوة أكبر حاملا معه، اصالة تونس، وتطلع المغرب، وثورة الجزائر، التي كان لها ولا يزال، رصيدها النضالي الكبير في المشرق العربي، يشجع دوما على التفاؤل بدور متصاعد لها مع الاقطار ا لمغربية الاخرى، في المعركة القومية. اي في تعزيز الروح القتالية المتجهة نحو فلسطين، لمواجهة التحديات المصيرية. وكذلك في العمل الوحدوي الذي يشكل ضمانة التحرير.

ان اعداء الأمة يدركون معنى اندماج نضال المشرق بالمغرب، وأهميته في تحقيق انعطاف حاسم في مسار القضية القومية، ودفعها في طريق الانتصارات. لذلك كان من الطبيعي ان يضعوا كل ثقلهم لاصطناع العقد المختلفة حتى يباعدوا بين جناحي الأمة العربية. ولكن جواب المغرب العربي، لا بد ان يكون معبراً عن نضج المرحلة النضالية الجديدة التي تمر بها الأمة العربية. فالمغرب العربي عندما يأتي بكل ثقله الى المعركة المصيرية، قوة تاريخية لها دور قومي وحضاري كبير في بعث الأمة العربية.

ايها البعثيون المنا ضلون

عندما تتجمع الاخطار على أمة، وُيخيّم جو من القلق والانفعالات السلبية على أبنائها، تفاجئ الأمة نفسها بظهور قوى كانت خفية إلاّ انها مهيّأة للظهور، هكذا القوى التاريخية، تتجمع وتتفجر في وجه العوامل المهددة لمصير الأمم، فتكون ظروف المحن عوامل إنضاج وتحضير لانبثاقها.

وهكذا انبثقت حركتكم التاريخية أيضا، كجزء طليعي من نهضة امتنا العربية الخالدة، التي لا ترى في الوضع الراهن قوى قادرة على تفجير إمكانات جديدة سوى في هذا الجزء الحي المتمثل في ثورتكم في العراق، وفي القوى الثورية التي ما تزال، في مختلف ارجاء الوطن الكبير، تتمسك بشرف المبادئ والقيم التي قام عليها الوجود العربي في التاريخ.

فاذا كان البعث قد ملأ مرحلة، وسدّ فراغا نضالياً في حياة الأمة، ونقل نهضتها من مرحلة العفوية الى مرحلة ثورية، وشقّ طريقاً معبراً عن روح الأمة، وعن وعيها لذاتها وعياً معاصراً. فان ثورة هذا الحزب في العراق، جاءت لتجعل هذه المسيرة النضالية ركيزة ثابتة، لا تتزعزع ولا تتراجع عن تحقيق الاهداف الانبعاثية للأمة.

فانتم ايها البعثيون، على ارض هذه التجربة الثورية الأمينة، تشكلون الأمل في بِحران القنوط والتشاؤم واليأس، تفتحون نوافذ جديدة وابواباً للتفاؤل الكبير وللنضال عندما تشتد محن الأمة.

انتم الذين استوعبتم دروس مسيرتكم القومية، وتقدّمتم في الوعي وفي النضال، فتجنّبتم الأخطاء المدمّرة، وارتفعتم الى مستوى المهمة التاريخية، فلم يكن عملكم سياسياً تقليدياً، ولا مبدئياً مجردا، ولم تكن معالجتكم لقضايا الأمة، معالجة ظرفية آنية. كما انها لم تغرق في محيط الاحلام اللامرئية للمستقبل.

انتم الذين حملتم الأمانة بصدق، وأخلصتم لتراثكم، وكنتم أوفياء لمسيرة الحزب النضالية الطويلة وجعلتم من المبدئية والاخلاقية والرصانة والجدية، وهي السمات البعثية الاصيلة، منهج عمل وحياة، وعنوان شخصية بطولية فذة.

انتم الذين رعيتم الفكر ووضعتم الثقافة في مكانها، سلاحا في المعركة، وترجمتم المعاناة الى ضوابط موضوعية ثورية.

انتم الذين وضعتم العراق العظيم على طريق قيادة الانبعاث للأمة، فأعدتم له دوره التاريخي في الحياة العربية، انتم ايها الرفاق، مفاجأة البعث لنفسه، ومفاجأة الأمة لذاتها.

اننا نتطلع الى المستقبل بثقة، لان جيلا ً عربياً صهرته المبادئ والتجارب، قد اكتسب النضج، ولإن قطراً عظيما كالعراق، قد أصبح مسرح بطولة هذا الجيل، يتقدم الى امام، على طريق الوحدة والحرية والاشتراكية، ُيفجّر طاقات الجماهير، ويزرع الحرية على أرضها، لتنبت الابداع في النضال وفي صنع الحضارة.

فالأمة التي طال حنينها الى الانتصار. الأمة التي فقدت اجزاء غالية من كيانها، وتكاد تفقد أجزاء جديدة، الأمة التي تعيش جماهيرها المناضلة في الكدح، في وقت تتبعثر فيه الثروة العربية وتغترب، ان هذه الأمة التي ملأت تاريخ العالم، لا يمكن ان ُتغمض الجفن على واقع يتناقض مع حقيقتها، ويهدر طاقاته، ويمزق جسدها ويسيء الى كرامتها، وينتقص من عنفوانها. لانها امة ذات رسالة.

وانتم ايها الرفاق، تحملون اليوم شرف بعث هذه الرسالة، لأنكم بها جديرون. المجد لشهداء الأمة وشهداء البعث.

وتحية نضال لكل قوى الثورة والنضال على الأرض العربية.

ولجماهيرنا العربية عهد البعث، بان يكون وفيا لمطامحها، متقدما صفوف النضال حتى ترتفع راية الأمة على أرض الوحدة والحرية والاشتراكية.

 

(1) كلمة في السابع من نيسان عام 1980  لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الثالث