ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الثاني


 نكسة الإنفصال

فيما يلي ننشر مقتطفات من البيان الذي صدر عن الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الأستاذ ميشيل عفلق في شباط 1962 حول تجربة الوحدة.

 

أيها الشعب العربي

ان الانتكاس الموقت الذي أصاب فكرة الوحدة نفسها واضعف الثقة بها يدفع حزبنا الى دراسة تجربة الوحدة وفشلها من اجل تحديد المسؤولية وتوضيح الأخطاء وإظهار الدروس التي نفيدها منه.

والجدير بالطليعة العربية الثورية ان تتناول هذه التجربة وأسباب فشلها بالدراسة العلمية مبعدة كل اثر للانفعال والعاطفة والأفكار المقلدة.

فعلى مثل هذه النظرة الموضوعية الهادئة يتوقف مستقبل هذا الهدف القومي الأساسي في حياة الأمة العربية الذي هو الوحدة ويتوقف استئناف العمل والنضال في سبيل الوحدة على أسس سليمة تصمد لكل امتحان.

عندما قامت أول تجربة للوحدة منذ اربع سنوات ظهر من الحماسة العميقة الشاملة التي اثارتها هذه البداية في الشعب العربي من مشرق الوطن الى مغربه انها عمل تاريخي يتجاوز القطرين اللذين تمت فيهما والأفراد والأحزاب التي أسهمت في تحقيقها. وعندما منيت هذه التجربة بالانتكاس ظهر من الألم العميق الذي شمل الامة العربية كلها ان فشل تجربة الوحدة يتجاوز أيضا إقليمي الجمهورية العربية المتحدة ويتجاوز الافراد والهيئات التي تتحمل بنسب مختلفة المسؤولية المباشرة في هذا الفشل، وان الشعب العربي من مشرق الوطن الى مغربه يتطلع الى جواب يفسر اسباب هذه النكسة ويكون في مستوى الحدث التاريخي الذي حقق الوحدة من حيث الارتفاع فوق المصالح والنظرات الإقليمية والفردية ومن حيث حصر الاهتمام بمصير الأمة وبقائها.

ان الوحدة التي قامت بين سورية ومصر في شباط من عام 1958 لم تكن بنت ساعتها ولا ارتجلت ارتجالا او جاءت هبة من الظروف والصدف. فان لها ماضيا وتاريخا ووراءها فكر وتخطيط وجهد ونضال. لقد خطط لها حزب البعث العربي الاشتراكي قبل قيامها بسنتين وادخل ممثلين عنه في الوزارة الائتلافية بسورية منذ حزيران عام 1956على أساس تبني الحكومة لمشروع الاتحاد بين سورية ومصر والعمل على تحقيقه. وكان حزب البعث يفكر ويصرح بان قصده من وراء تحقيق أول خطوة للوحدة العربية هو ان يرجع الى العرب جميعا ثقتهم بفكرة الوحدة وقابليتها للتحقيق، وان يجعل من دولة الوحدة الاولى سندا وقاعدة للنضال العربي في كل جزء من اجزاء الوطن الكبير، ولنضال الجزائر وفلسطين بخاصة، وكان يرى في اوضاع سورية ومصر اكثر الشروط سلامة من اجل بداية عملية للوحدة. وفي الوقت الذي ذهب فيه الأمين العام للحزب ليبحث مع الرئيس عبد الناصر موضوع الإتحاد تمهيدا لذهاب وفد حكومي لبحث الموضوع ذاته، أعلن عبد الناصر تأميم شركة القناة وفتح المعركة المعروفة، فتحول عمل الحزب في جميع فروعه العربية منذ ذلك اليوم الى الدفاع عن مصر في معركتها الجديدة ضد الاستعمار، لا لأن هذا  الموقف هو ما تفرضه وحدة النضال العربي فحسب، بل تمهيدا وتعبيدا لطريق الوحدة وإشعارا لمصر بحقيقة الوحدة وواقعيتها. وقد خاض الحزب في جميع اقطار المشرق معركة القناة كتمهيد ونموذج لمعركة الوحدة. وكان الحزب في ذلك كله يعمل بوحي فكرته العربية الثورية وبوحي عقيدته القائلة بثورية الوحدة وبأنها لا تأتي عفوا دون نضال يومي في سبيلها. وكان من خطة الحزب تشجيع التوجه الذي ظهر بمصر في عهدها الجديد نحو الفكرة العربية تشجيعا قويا، إيمانا منه ان مصر عنصر اساسي خطير في كل محاولة لتحقيق الوحدة العربية، وانها كانت حتى ذلك التاريخ عاملا سلبيا ومعوقا. من هذه الاعتبارات والعوامل انطلق الحزب منذ اوئل عام 1956 يعمل ويمهد للوحدة مع مصر. وكان يرى لهذه الوحدة صيغة توفق بين متانة الارتباط وواقعيته، اذ كان يسعى الى إقامة دولة واحدة اتحادية لا الى اتحاد بين دولتين. وكانت الصيغة التي اختارها الحزب توفر للاقطار العربية الداخلة في الوحدة ضمانات ضد التسلط وردات الفعل الأنانية والإقليمية وشروطا تتسع للفروق الراهنة بين الاقطار العربية وتسمح بتطويرها نحو الانسجام تطويرا سليما. ولقد فوجئ الحزب في سورية اثناء مباحثات الوحدة حين اشترط عبد الناصر حل الأحزاب في سورية وحين أرجأ دراسة صيغة الوحدة الى ما بعد اعلانها. ولكنه لم يضع هذه العوائق بمستوى الوحدة نفسها ومضى في تنفيذ خطته وقبل بشروط عبد الناصر، لأنه كان يريدها وحدة يتقوى بها العرب جميعا ويتدعم بها نضالهم في كل مكان، يريدها ضمانة لانتصار ثورة الجزائر وبداية لتحرير فلسطين. ولذلك، ومن اجل بلوغ هذه الاهداف القومية الكبرى، اقدم على الوحدة اعتمادا منه على ان التفاعل الشعبي الثوري بين اقليمي الجمهورية الجديدة والتفاعل الشعبي بين دولة الوحدة وحركات النضال العربي سوف يكونان الضمانة الحية ضد كل انحراف، وايمانا منه بأنه لن يكون من السهل على أي حاكم -ولا سيما إذا كانت الجماهير الثائرة هي التي أمدته بالتأييد والقوة- ان يستهين بإرادة هذه الجماهير.

والمهم الآن ان يعرف الشعب العربي في جميع اجزاء الوطن الاسباب التي أوصلت الى هذه النكسة ليتفادى الاخطاء ويصحح السير ويتأكد ان الذي فشل ليس هو فكرة الوحدة بل تطبيقها المشوه، وان هذه التجربة، رغم ما حملته معها وأدت اليه من آلام وخسائر واخطار، هي ايضا غنية بالدروس.

ونحن عندما نشير الى تلك الأخطاء التي وقع فيها نظام الحكم في عهد الوحدة انما نقصد ان تدخل معرفتها في تجربتنا القومية لتصححها وتغنيها، ونعتبر الكشف عن هذه الاخطاء بروح موضوعية بعيدة عن الانفعال والطعن واجبا من أقدس واجبات الموجهين تجاه امتهم، لان هذه الاخطاء ليست من النوع العادي الذي يجوز إغفاله في ظروف الخطر، وإلا سمح لها بان تتكرر وتتضخم، في حين ان الكشف عنها يعني بداية تصحيحها وتلافيها. الا ان اخطاء نظام الحكم في الجمهورية العربية المتحدة مهما بلغت من الخطورة فانها لا تبرر الانفصال، اذ يبقى ان فشل تجربة الوحدة هو نتيجة أخطاء، وقيام الانفصال نتيجة تدبير وتصميم وتآمر.

ان خطر الاخطاء التي سببت فشل تجربة الوحدة على القضية القومية ينتهي بمجرد ان يطلع الشعب على هذه الاخطاء ويعرف كيف يصحهها ويتلافاها. اما خطر الوضع الانفصالي فلا ينتهي بمجرد الاطلاع على حقيقته التي هي حقيقة مفضوحة، وانما يترتب على الشعب ان يستجمع كل طاقته النضالية ليقاوم المصالح الرجعية والاستعمارية التي يتكون منها الوضع الجديد.

ايها الشعب العربي

لقد استطاعت نظرة الحزب الثورية ان تكشف خلال نضاله الطويل قبل الوحدة عن مدى التناقض الذي كان قائما بين واقع القطار العربية المجزأة وتفكير الفئة المسيطرة فيها ومصالح هذه الفئة من جهة، وبين ايمان الجماهير العربية بالوحدة وحاجتها الحيوية اليها من جهة اخرى. وكان هذا التناقض الذي وعته نظرة الحزب الثورية لا يقل خطورة عن التناقض القائم في الاوضاع الاجتماعية بين طبقات المجتمع العربي. وكان ظهور الحزب الذي انطلق من هذا الوعي الثوري بداية لمفهوم جديد للوحدة العربية. اذ نظر اليها على انها عملية ثورية لا تتم عفوا كمحصلة آلية لتحرر الاقطار العربية ولتحقيق المجتمع الاشتراكي فيها بل اعتبر الحزب ان الوحدة هي حالة مناقضة للاوضاع الراهنة وللعقلية السائدة التي اسماها عقلية التجزئة وهي عملية تناقض المصالح الراهنة. بينما كان المفهوم السائد عنها قبل الحزب يعطيها صورة عاطفية تصلح لان توضع في برامج الاحزاب والخطب فتخدر عند الشعب حس الحاجة للوحدة والمطالبة بها بدلا من ان توقظه وتنميه، وجعلها الحزب في مستوى الثورة الاشتراكية وفي مستوى الحرية، اي ان الوحدة تحتاج الى تغيير جذري للواقع الراهن، وبالتالي يكون كل ادعاء للوحدة دون تبني هذا المفهوم الثوري لها وما يترتب عليه من نضال يومي فكري وعملي لتغيير العقلية وتغيير الاوضاع ادعاء كاذبا للتضليل والتخدير.

ولكي لا تبقى الوحدة عرضة لتلاعب السياسيين ومتاجرتهم الكلامية، ولكي لا يدعي العمل لها من تجعلهم مصالحهم الطبقية والاقليمية ابعد ما يكونون عنها، فقد اعطاها الحزب مضمونها الجماهيري الاشتراكي، وبذلك اعطاها الدم والحياة فاستقطب القوى الشعبية المخلصة لها والقادرة على تحقيقها.

من هذه النظرة انطلق الحزب يوم اخذ يعمل ويوجه ويناضل من اجل نقل شعار الوحدة الى مجال التطبيق. ولم يدفعه الى التخطيط للوحدة بين سورية ومصر اي دافع سلبي وأي خوف من خطر خارجي وداخلي مزعوم، ولم يفعل ما فعل ليتحد مع عبد الناصر بعد انتصاره على العدوان الثلاثي، بل كان دافعه في ذلك ايجابيا خالصا، يكفي للتدليل على ايجابيته انه طرح شعار الوحدة بين سورية ومصر منذ عيد الجلاء في نيسان من عام 1956.

لقد انطلق الحزب اولا وقبل كل شيء من عقيدته وايمانه بضرورة النضال من اجل تحقيق شعار الوحدة ووجد في الظروف التي اجتمعت آنذاك ما يدفعه الى القيام بخطوة عملية حاسمة في هذا السبيل.

ففي تلك الفترة كان المد الشعبي آخذا في الازدياد في اكثر الاقطار العربية بينما كان الاستعمار يتراجع ويندحر، وكانت الرجعية تضطر محرجة اما الى تمزيق براقعها والتعاون السافر مع الأجنبي ضد وطنها واما الى مجاراة التيار الشعبي الصاعد. وكان يرافق هذا التقدم في الحركة الشعبية العربية انتصار حركة التحرر في اكثر بلدان العالم وفي آسيا وافريقية خاصة. فكانت الشعارات العربية تأخذ هكذا معنى تاريخيا انسانيا. وبدت هذه الفترة وكأنها انسب وقت لتحقيق اول خطوة في طريق الوحدة العربية تطبع بدايتها الثورية الانسانية الطريق كله بطابعها. وكانت شروط وظروف متماثلة كثيرة قد أتيحت لقطرين عربيين هما سورية ومصر، في مجال السياسة الخارجية ومكافحة الاستعمار والدعوة الى الحياد الايجابي والقومية العربية والنظام الاجتماعي التقدمي. فأراد الحزب الا يضيع هذه الفرصة وان يقدم البرهان على ان الوحدة وليدة التقارب في الاتجاه والمبادئ.

اما الاختلاف الاساسي الذي كان قائما بين السياسة المطبقة في القطرين، ونعني الخلاف حول الحرية والديمقراطية فقد أمل الحزب، بتفاؤل سطحي، في قدرة الوحدة على إزالته، وتوقع ان يؤدي التفاعل الشعبي بين اقليمي الدولة الاتحادية والتفاعل الشعبي بين هذه الدولة وبين حركات النضال في باقي أجزاء الوطن العربي الى تطوير النظام الفردي الذي كان قائما في مصر تطويرا سريعا نحو الديمقراطية.

وكان الحزب، منطلقا من مفهومه للوحدة ومستقبلها، يرى في هذه الوحدة التي تمت بين مصر وسورية بداية للوحدة الشاملة، وانها لا بد ان تكون واعية لكونها بداية، فتضطلع بالتالي بمسؤوليتها كقدوة وكنواة جذابة. وكان يأمل ان يقود هذا الايمان الجمهورية الجديدة بوصفها بداية للوحدة الكبرى، الى سياسة داخلية وخارجية وعربية واجتماعية تقوم على اساس تنمية هذه البداية وجذب الاقطار العربية الاخرى اليها، ويرى ان سياسة الدولة الجديدة في سائر المجالات لا بد ان تتغير جذريا حين لا تعتبر نفسها خاتمة المطاف بل بداية يجب ان تنمو وتتطور. فتلك السياسة، حين تنطلق من هذه النظرة، ستكون مدعوة الى ان تقيم توازنا بين جهدها الداخلي في التطور والتنمية الاقتصادية وبين تحملها أعباء مساندة الثورة والنضال في الاقطار العربية الاخرى، وتوازنا بين سياستها الخارجية وبين مهمة تنمية الوحدة وتغذية النضال العربي وجذب أقطار جديدة الى الوحدة.

ايها الشعب العربي

أمام هذه المسؤوليات التاريخية لاول تجربة للوحدة بعد مرور مئات السنين على تجزئة الاقطار العربية، كان من الواجب، كيما تأتي هذه التجربة سليمة ومشجعة وحاملة بذور الحياة والنماء ان تجتمع لقيادتها والاضطلاع بمسؤوليتها الجسيمة خبرة نخبة من العناصر النضالية في الامة العربية من مشرقها الى مغربها، ان يكون التفاعل عميقا ومستمرا بين هذه التجربة وبين التجربة الثورية العربية لكل قطر، وكان من الواجب ان تكون التجربة منتبهة منذ البدء لأمراض التجزئة ورواسبها ولمشكلات المجتمع العربي المتخلف وللعقبات التي تضعها المصالح الرجعية والاقليمية والاستعمارية فى طريق الوحدة.

ايها الشعب العربي

الى جانب هذا المستوى الذي كان عليه الحزب عند قيام الوحدة، كان مستوى الوعي لدى معظم الحركات الشعبية في مختلف البلدان العربية يعوزه الكثير من النضج والتنسيق. وقد أثار تحقق الوحدة من الحماسة والتفاؤل في نفوس الفئة الواعية من ابناء الشعب العربي اكثر مما اثار عندها من التقدير الواعي لأهمية هذه الخطوة ولضرورة السهر عليها وتجنيبها الاخطاء والعثرات. ولقد أدخلتها أكثر الحركات العربية الثورية والتقدمية في حسابها ورصيدها تستغلها وتتقوى بها من اجل قضاياها الاقليمية، دون ان تكون مستعدة لتحمل قسطها من المسؤولية في مراقبة الوحدة وسلامة اتجاهها. بل ان تأييدها الاعمى المنطلق من النظرة الاقليمية الضيقة ومن المصالح العابرة، قد شجع الانحراف وسهله واسهم في الفشل الذي شملت نتائجه هذه الحركات كلها بل الشعب العربي كله.

ان نكسة الوحدة غنية بالدروس والعظات للقائمين على النضال العربي في سائر الاقطار العربية، ومن اهم هذه الدروس ان وحدة النضال العربي هي في هذه المرحلة التعبير العملي عن وحدة الامة العربية، وان كل تجاهل لهذه الحقيقة من قبل الحركات الشعبية في الوطن العربي وكل تلكؤ منها في توحيد نضالها وتنسيق خطتها وتفاعل تجاربها يبقي قضية امتنا عرضة للنكسات والاخطار، وان كل خطوة في طريق الوحدة معرضة للتعثر والفشل بمقدار ما في وحدة النضال من فتور وثغرات.

ولقد تجلى هذا الضعف في مستوى الوعي العربي اثناء الوحدة في الاقليم المصري بخاصة. وكان حزبنا يعلق املا كبيرا على التفاعل الشعبي بين اقليمي الجمهورية، من اجل ان نتلافى مصر شيئا كثيرا من هذا التخلف في الوعي العربي، ولكي تتعمق الافكار والشعارات التي بدأت تنطلق فيها نتيجة التوجيه الرسمي وحده دون ما مشاركة شعبية فعالة.

اننا نعتبر مصر ذات وزن خطير وامكانية ضخمة في كل نضال عربي، وبصورة خاصة في النضال من اجل الوحدة، واننا بالرغم من رفضنا القاطع الحاسم لكل دعاية تريد ان تظهر مصر وشعبها بمظهر الغرباء عن العروبة نعتبر ان الفئات الواعية مطالبة بعملية نقد صريح عميق لجميع العوامل والرواسب التي توجد هذا الضعف الشامل في الوعي العربي في مصر. كما ان هذه الفئات مطالبة بدفع الشعب العربي في مصر الى الإفادة من طاقات مصر من اجل الإسهام في بناء الامة العربية بناء سليما بدلا من استغلال ذلك لأغراض إقليمية.

ايها الشعب العربي

ان كل ما مر بك في تجربة الوحدة بين سورية ومصر يوم تحقيقها وأثناء انتكاستها وبعد انفصالها يكشف لك عن العامل الفعال دوما في الحفاظ على الوحدة وسلامتها الا وهو بناؤها على أساس الإرادة الشعبية والنضال الجماهيري الموحد في الوطن العربي المستند الى تفاعل الحركات الشعبية في سائر البلدان العربية وتآزر تجاربها وجهودها. وسبيل العودة الى النضال الحقيقي في سبيل الوحدة وفي سبيل تعميق الثقة بها في نفوس أبناء الامة العربية لن يكون الا بتوحيد نضال الحركات الثورية في الوطن العربي توحيدا جديا من اجل رفع مستوى الوعي العربي والتنظيم الشعبي وبتكتلها جميعا ضد الرجعية التي تجمع قواها وضد سائر الاوضاع الراهنة التي تعمل على ابقاء التجزئة وإذكاء الفروق الإقليمية والمصالح المحلية. ولا بد لهذا لنضال العربي الموحد كيما يجنب مفهوم الوحدة ما أصابه من شكوك وتعثر ان يكون عمله في سبيل الوحدة مستندا الى تصور واضح لنظام في الوحدة قادر في آن واحد على حفظ معناها القومي وعلى الحيلولة دون انحرافها نحو التسلط الاقليمي. والنظام الذي دعا اليه الحزب منذ مباحثات الوحدة والذي يراه محققا لهذا الغرض هو نظام الدولة الواحدة الاتحادية.

ان هذا النظام يأخذ بعين الاعتبار في نفس الوقت حقيقة وحدة الشعب العربي من جهة وواقع الاقطار العربية من جهة ثانية.

ان هذا النظام الاتحادي هو الذي يحقق المعنى الحقيقي للوحدة وهو تحقيق قوة الامة العربية ومنعتها وبناء نهضتها وحضارتها وضمان استقلالها وحمايتها من أعدائها كما انه هو الذي يزيل المخاوف والشكوك وما يمكن أن تخلفه النزعات الاقليمية ورواسب التجزئة ويراعي الفروق المحلية والأوضاع الخاصة لكل إقليم ويحقق التفاعل الخصيب بين الاقاليم المشتركة حين يضمن مشاركتها الفعلية في رسم سياسة الدولة الواحدة وفي تنفيذ تلك السياسة.

ان حماية الوحدة من مخاطر الطغيان الإقليمي ومزالق النزعات المحلية الضيقة لا تعني ان تفقد الوحدة معناها وان تتخذ التجزئة أصلا بل تعني ان تضع لها الضمانات الواقعية التي تحول دون انحرافها محتفظة بجوهر الوحدة وروحها وقدرتها على الإنماء والصهر، وهذا ما يحققه شكل الدولة الواحدة الاتحادية، ومضمونها الاشتراكي الديمقراطي.

يا جماهير شعبنا المناضل

ان مسؤولية تحقيق الوحدة الاتحادية ذات المحتوى التحرري الاشتراكي الديمقراطي تقع على عاتق الطبقات الشعبية والحركات الثورية التحررية. وان حزب البعث العربي الاشتراكي يعاهد الشعب على متابعة النضال لتحقيق أهداف العرب الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية.

عاش نضال الشعب العربي في سبيل إقامة وحدته الاتحادية، عاشت وحدة النضال الشعبي لتحقيق الوحدة وتحطيم أعداء حرية الشعب ووحدته وتقدمه من رجعية وانفصالية واستعمار.

شباط 1962

 

الصفحة الرئيسية للجزء الثاني