ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الثاني


هذه الوحدة ثورة عربية وثورة عالمية وضمانتها في استمرار ثوريتها (1)

 

هذه الخطوة التاريخية التي رأى فيها العرب حلما يتحقق، كانت بالنسبة إلى الطليعة المؤمنة حقيقة واقعة منذ سنين طويلة ألهمت تفكير المناضلين، وحددت سلوكهم وأسلوب عملهم ومكنتهم من رؤية حقيقة الأمة من خلال الواقع المريض الكثيف، ومن أن يتغلبوا على ما اصطنعته التجزئة من عقلية منحرفة ونفسية مشوهة ومصالح شاذة متناقضة. ولقد وجدوا الوحدة في آخر الطريق، لأنهم وضعوها في أوله.

ولئن جاءت هذه الخطوة في طريق الوحدة الكبرى، فريدة في نوعها من حيث سلامة الشروط وثورية الاتجاه وديمقراطية التحقيق، فلأن مفهوم الوحدة الذي قدر له أن ينجح كان نقيضا للمفهوم القديم الجامد المتناقض، فلم يعتبرها شيئا يتحقق من نفسه وشيئا منفصلا عن حرية الوطن وسعادة الشعب وتقدم المجتمع، بل اعتبرها ثورة تحتاج إلى خلق وتنظيم ونضال، وان فيها تتجمع وتتفاعل أهداف الأمة العربية في مرحلة بعثها الجديد.

إن هذا الظفر الأول للوحدة العربية يجيء دليلا لا على ثورية الوحدة فحسب، بل على ثورية القومية العربية في اتجاهها الجديد. وثورة القومية العربية ليست ثورة قومية بل إنسانية تتعدى في فكرتها وفي آثارها العملية نطاق الوطن العربي. هي ثورة إنسانية لأنها ثورة القومية بمعناها الايجابي العميق الخلاق، معنى التحرر في الداخل والخارج، والتقدم لشعبنا ولجميع الشعوب، والسلم والتعاون المبنيين على نضج الحرية داخل كل شعب، لا على الفرض والاستغلال والتبعية. لذلك فإن ميلاد جمهوريتنا الجديدة يحمل معه تصميمنا على مساهمة أقوى وأنجع في حمل مسؤولياتنا الدولية ووضح ثقل الأمة العربية في خدمة قضية التحرر والسلم والحياد الايجابي.

وكما أن هذه الوحدة التي أحيت ثقتنا بأنفسنا تبدأ مصالحتنا مع العالم، فتذيب بقايا السلبية التي كانت تعكر صفاء نظرتنا وعفوية نزوعنا إلى حمل أعباء رسالتنا الإنسانية، كذلك فهي كفيلة بان تزيل بقايا السلبية في نظرتنا إلى أنفسنا، فنزداد ثقة بأصالة شعبنا وغنى إمكانياته ونزداد بالتالي انسجاما مع مبادئنا الثورية، وجرأة في تطبيقها. 

إن جمهوريتنا العربية المتحدة هي وليدة ثورة الشعب العربي ونضاله في جميع أقطاره. ولكي تصبح في مستقبل قريب شاملة لجميع أقطار العرب، يجب أن تكون ينبوع الثورة وغذاءها في جميع أجزاء الوطن العربي، لأن المبدأ الذي كان في الأصل والأساس في خلقها والتهيئة لها منذ سنين طويلة، ألا وهو مبدأ وحدة الأمة العربية ووحدة قضيتها ونضالها، هو وحده الذي يضمن بقاءها ونموها حتى تحقق رسالتها في الوحدة المتحررة الشاملة.

8 شباط 1958

(1): جريدة البعث، العدد 90، 8 شباط 1958.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الثاني