ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الثاني


حول وحدة مصر وسوريا

إتجاه طريقها وعقبات هذه الطريق


 

 

سواء أكانت الوحدة التي نعمل على تحقيقها بين مصر وسورية في هذا الظرف وحدة أم إتحاداً، فان ما نريده ونحرص عليه هو أن يكون اساسها متيناً وطريقها سليماً يسير نحو النماء والتكامل، ويوصل الى الوحدة العربية الشاملة. وبتعبير آخر، نريد ان تكون عناصر الحياة في هذه الوحدة الصغرى غالبة على عناصر الجمود والتناحر والشكليات الخادعة، وان تحقق هذه الوحدة توحيداً فعلياً خلاقاً بين أجزاء الشعب الواحد في مصر وسوريا وتوحيدا فعلياً خلاقاً لإمكانيات الشعب المادية والمعنوية. فمتى كانت الخطوة الاتحادية شعبية ضُمِن لها الخلق والابداع والقوة المتفجرة بازدياد، وضُمِن لها ان تبقى في الاتجاه القومي السليم. ومقتربة يوماً بعد يوم، من التحرر الكامل، والوحدة الشاملة، والشروط الاجتماعية العادلة لجميع المواطنين.

 

ولكن ثمة منطلقاً آخر للوحدة أو الاتحاد، وطريقاً آخر، يمكن أن يُقَدَما لنا كبداية واقعية، هما منطلق الجامعة العربية وطريقها، وقد برهنت الحوادث والكوارث طوال السنوات العشر الأخيرة على أنه كان منطلقاً خاطئاً يكمن فيه الغش والتآمر، وان الطريق كان معكوساُ أُريد من إنتهاجه تثبيت التجزئة لا الخلاص منها، وتخدير حاجة العرب الى الوحدة لا تلبيتها.

 

فهل يراد لهذه الخطوة الاتحادية المرتقبة ان تكون على غرار الجامعة، وان تكون سلطة الدولة المتحدة بيد موظفين واشخاص ضعاف كأمين الجامعة العربية، وموظفيها، ويبقى لكل قطر من القطرين رئيسه المستقل، وزعماؤه المسيطرون، وهل يقتصر توحيد السياسة القومية على توزيع السفارات والقنصليات بين الدبلوماسيين من مصر وسورية بالتساوي؟ وهل ينحصر توحيد الدفاع في قيادة الجيشين، وهل يكتفي اخيراً من توحيد الاقتصاد بتبادل السلع، وبتنسيق جامد للاوضاع الاقتصادية الراهنة بين القطرين، بدلاً من تحقيق التفاعل العميق بين القوى المنتجة على ضوء الحاجات الجديدة والنظرة الجديدة التي يوحي بها الاتحاد، والتي توجب توجيه الانتاج نحو ما تقتضيه الضرورات والاهداف القومية العليا؟

 

اذا كنا نطرح مثل هذه التساؤلات، فلأننا نعلم أن الانحرافات والتزييفات تهدد الوحدة في أولى خطواتها، وأن العقبات في طريقها ليست قليلة ولا يسيرة. فمن البديهي ان يكون الإستعمار واسرائيل متفقين متضامنين في مقاومة كل خطوة نحو الوحدة. ومن الطبيعي أن تكون الاقطاعية والرجعية في الداخل مشاركتين لهما الى حد كبير في هذه المقاومة. ولكن ما هو ليس طبيعياً ولا بديهياً أن يجد أعداء الوحدة الخارجيون والداخليون في كثير من رجال السياسة ومحترفيها أدواتهم المنفذة الأمينة. وفي اعتقادنا ان أعدى أعداء الوحدة العربية ليس الاستعمار ولا الصهيونية وليست حتى الرجعية الخائفة على مصالحها. لأن هذا العداء الصريح أو المفضوح للوحدة يحفظ بينها وبين اعدائها مسافة بينة واضحة تمنع ان تصل اليها سهامهم وسمومهم. ولكن الخطر الجدي على الوحدة هو من اولئك المدعّين لها، المتبجحين بها، الذين إنما يلصقون بها هذا اللصوق لكي يزيفوها ويمتصوا دمها ويخنقوا أنفاسها ويضعوا على لسانها ما لا تريد قوله ويجعلوها أسيرة بين أيديهم، ويهددون بها ويساومون عليها مقابل مراكز وزعامات شخصية حقيرة، والمخرج الوحيد من أخطار هذا التآمر وذلك التزييف، هو في اخراج مطلب الوحدة من نطاق الجدل العقيم، والمفاوضات والمساومات بين الحكام والسياسيين والنواب وحتى الاحزاب، وفي تسليمها الى جماهير الشعب العربي، وان تُوَضَح لهذه الجماهير حقيقة الاغراض والمصالح والأهواء التى تتآمر على الوحدة، وأن تبين لها الإمكانيات العريضة الواسعة التي تساعد على تحقيقها فيما لو أُبعِدَ عنها التآمر، وأُزيلت من طريقها العقبات التي يضعها أدعياؤها قبل أعدائها.

 

ان هذا الوضوح في فهم قضيتنا، إذا انتقل الى الشعب، وتجسد في رأي عام نضالي منظم، يشكل وحده القوة الايجابية الفعالة التي تستطيع ان تجابه المؤامرات الخارجية والداخلية، والتي تخلق وتبني. والوحدة العربية خلق وبناء وثورة، لأن تحقيقها، والبدء الجزئي البسيط في هذا التحقيق هو أصعب ما يواجهنا، هو بالتالي المعيار الصحيح الدقيق لحقيقة الامكانات العربية المعبرة عن قدرة العرب أنفسهم، لا عن مجرد مواتاة الظروف الخارجية، والنفع الذي يأتي عفواً من تصارع القوى الأجنبية حولنا.

 

7 نيسان 1956

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الثاني