ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الثاني


طبيعة الحكم في مصر أو: بين التقدمية والانقلابية
 


الموضوع اليوم الذي طلب الإخوان أن أعالجه: عن موقفنا من حكومة مصر الحالية، وسأخصص قسما من الوقت لعرض مجمل، وأنتظر أسئلة منكم.


أول ملاحظة ترد في هذا الموضوع هي وجوب التفريق بين الحكم العسكري الذي قام في مصر، وبين الحكم العسكري الذي عرفناه في سورية. ففي مصركانت ثمة دواع وعوامل جدية تبرر الإنقلاب العسكري إذ لا أحد يجهل ما كانت عليه مصر في زمن فاروق -زمن الملكية- من الفساد.. من الإستهانة بحقوق الشعب وكرامة المواطنين، وكان العرش في اكثر الأحيان آلة بيد الإستعمار يتلاعب بالدستور والحريات العامة وهكذا.. وكانت في مصر، كما هو معروف، أحزاب أهمها وأكثرها جدية وأقربها إلى نفوس الشعب وإلى حاجات الشعب هو حزب الوفد؛ ولكن حزب الوفد بقي متجمدا على ناحيتين من النضال لم يستطع أن يتجاوزهما: 1) مكافحة الاستعمار على أسلوبه، 2) والدفاع عن الدستور والحريات أمام تعدي الملك عليها. لقد مثل الوفد لعشرات السنين هاتين الناحيتين -وهما أساسيتان بلا شك- ولكن لم يستطع أن يتطور وأن يلبي حاجات جديدة هي الحاجات الشعبية.. حاجة العدالة الاجتماعية.. الإتجاه نحو الإشتراكية وإنصاف الكثرة الساحقة من أبناء الشعب، ذلك أن تكوين حزب الوفد لم يكن يسمح له بأن يخوض مثل ذلك النضال؛ فالوفد ككل الأحزاب التي تحصر همها في ناحية سلبية، ولا يكون لها وجه إيجابي، تجمع تجميعا الأفراد والأنصار، وترضى من أنصارها وأتباعها بشيء واحد هو مكافحة الاستعمار الأجنبي ومقابل ذلك تترك لهم الحبل على غاربه إذا لم نقل بأنها تعرض عليهم مقابل هذا الشيء الجزئي بأن تؤمن لهم المنافع الخاصة. فكان تكوين حزب الوفد من طبقة بورجوازية وإقطاعية، من الطبقة المتوسطة ومن عدد من الإقطاعيين.. كانوا من جهة، بدافع وطني -والوطنية شعور عام- يريدون التخلص من الاستعمار؟ وبدافع مصلحي يريدون أن يحلوا محل الاستعمار أي ان يستأثروا بالمنافع التي يستأثر بها الاستعمار أو يشاركهم فيها. لذلك ظهر عجز الوفد مع الزمن: بأنه غير قادر على تخليص مصر من الاستعمار الأجنبي ومن طغيان الملك وفساد الحكم.


والسبب هو هذه السلبية التي هي أساس تكوينه: فحزب الوفد لم يقم على نظرية واضحة وكاملة، ولم ينهج النهج النضالي الصحيح الذي يقضي أن يعتمد على طبقة الشعب فقط لأنها الوحيدة التي تصمد إلى آخر الطريق في النضال إذ ليس لها مصالح تساوم عليها الاستعمار. كذلك كان فهم حزب الوفد للديمقراطية والحريات العامة فهما سطحيا يتناسب وعقلية الطبقة البرجوازية ويلائم مصلحتها. وديمقراطية الوفد لها لون شعبي وطني.. ضد الاستعمار. ولكن لها أيضا ألواناً من الاستغلالية... لونها الوطني الشعبي هو الدفاع عن الدستور والحريات العامة وهو في الوقت نفسه حيلولة دون تآمر الاستعمار على الشعب أو تآمر الأسرة المالكة مع الاستعمار على الشعب. فعندما كان ملوك مصر يضربون بالدستور عرض الحائط ويقيلون الحكومات ويشكلونها كما يريدون كان ذلك -في أغلب الأحيان- لأن تلك الحكومات كانت تتمسك بحقوق البلاد ضد المحتل الأجنبي. فالدفاع عن الدستور إذن له هذه الناحية الإيجابية لأنه ضربة موجهة ضد الاستعمار وضد الأسرة الحاكمة التي هي إلى حد كبير مسخرة للاستعمار.


هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نرى أن حزب الوفد عندما كان يصل إلى الحكم فانه يبدأ بالبطش بخصومه ويقنن الحريات التي كان يطالب بها واسعة كاملة عندما يكون هو مضطهداً ومبعداً عن الحكم. ويجيز لنفسه التلاعب بالدستور أيضا إلى حد ما ليستر مساوماته مع الاستعمار، فالوفد أيضا ليس نضاليا بالمعنى الصحيح. كان يتدرج بانتزاع بعض حقوق البلاد تدرجا، والشعب كان يريد أكثر مما كان يحصل عليه الوفد. الشعب كان يريد تنفيذ الوعود التي كان يقطعها الوفد على نفسه: الاستقلال الصحيح وتخليص البلاد من الاستعمار الأجنبي. وهذا ما كان يضطر الوفد لأن يضغط على الحريات: حرية الصحافة والاجتماع.. الخ، لكي لا ينفضح أمام الشعب، كما أنه كان مضطرا لأن يساير الملك بعض المسايرة.


وأخيرا هناك جانب معروف من أسلوب الوفد في الحكم وهو الاستغلال البشع، الاستغلال الوقح للحكم في سبيل إرضاء الأتباع والأنصار، طالما ان تشكيل الوفد لم يكن قائما على عقيدة ولا على نظرية واضحة، وكان يقوم على تجميع أنصار أكثرهم طلاب منفعة، فكان ملزماً بان يرضيهم -عندما يصل إلى الحكم- على حساب مصلحة المجموع. لذلك كان مضطرا لأن يتلاعب بالدستور، ويسخر القوانين لمصلحة فئة معينة على حساب المصلحة العامة.


وهناك نقص آخر في حزب الوفد، تشاركه فيه كل الأحزاب الأخرى في مصر، وتزيد عليه الأحزاب الأخرى في تمثيل وتجسيد هذا النقص، وهو أن حزب الوفد كان يعمل على أساس مصري قطري، ولم يكن يفهم الرابطة القائمة بين الأقطار العربية، ووحدة المصير، ووحدة المصلحة، وإن كان من الناحية العاطفية يتظاهر بين الحين والآخر ببعض المظاهر العربية، ولكن عملياً -واقعياً- كان حزباً قطرياً.


إذا أخذنا في نفس الوقت، الوقع في سورية -قبيل حدوث الانقلابات العسكرية- لنرى لماذا تميز الإنقلاب في مصر بنواح إيجابية، بينما بقيت الانقلابات العسكرية في سورية سلبية كلها، فماذا نجد؟.


في سورية، كان يوجد ما يماثل حزب الوفد وهو حزب الكتلة الوطنية، التي بدلت اسمها مع الزمن إلى الحزب الوطني. مثلت نفس الدور تقريبا، وكانت قائمة على نفس التركيب.. نفس العناصر الاجتماعية: بورجوازية وإقطاعية، وإن كانت ثمة فروق بين الكتلة الوطنية والوفد، فالفروق كانت ترجع دائما إلى الزعماء.. إلى شخصية بعض الزعماء، والى إمكانيات القطر. فالقطر المصري ذو إمكانيات واسعة، ولذلك يمكن أن يظهر فيه رجال ذوو كفاءات أكثر مما يظهر في سورية. هذا هو الفارق الوحيد. وهو جزئي. ولكن الفارق بين مصر وبين سورية هو أنه في سورية ظهرت حركة شعبية نضالية على أسس جديدة إيجابية، وفي مصر لم يظهر ذلك. فبينما أوجد انهيار الملكية في مصر واحتجاب الأحزاب القديمة وخاصة حزب الوفد.. فراغا في الساحة، استطاع العسكريون أن يملؤوه بالعمل الإيجابي، فإن هذا الفراغ لم يكن موجودا في سورية، أو كان مملؤاً قبل الانقلابات العسكرية بحركتنا نحن، فظهرت الإنقلابات العسكرية في سورية بأنها لا مبرر لها، لأنها لم تستطع أن تعطي لا أكثر مما أعطاه حزبنا، وحتى لا شيء مما أعطاه الحزب، وكانت مهمتها أن تقلد الحزب بالشعارات دون المضمون، أقوال بلا أعمال.. أن تنادي بشيء من الإشتراكية.. بالتقدمية.. بتوزيع الأراضي.. بالاستقلال.. بالوحدة العربية.. دون مضمون، وحتى يكون لشعاراتها مضمون يجب أن يكون معها جمهور يؤيدها عن قناعة وارتباط متين، وهذا كان مفقوداً. أما في مصر فلأنه لم يكن هناك حركة شعبية انقلابية كونت رأياً عاماً، ونظمت جمهور الشعب الى حد ما، كانت الساحة فارغة فعلاً أمام الضباط التقدميين الذين ظهروا في الجيش. وهكذا استطاعت حركة الجيش في مصر أن تحقق بعض الأشياء الإيجابية.


الآن، بعد أن قارنا بين الحركة العسكرية في مصر والحركات العسكرية في سورية. ولمسنا الفارق الرئيسي بين النوعين، علينا أن نعرف الحركة العسكرية في مصر:


هي حتما ليست مثل الانقلابات في سورية، والتي كانت بدون مبرر: مغامرات طائشة.. مغامرات مشبوهة، يدخل فيها الإستعمار من طرف، وتدخل فيها المصالح الرجعية من طرف آخر.. مصالح الإقطاعيين والرأسماليين عدا عن الطموح الشخصي عند بعض الأفراد من العسكريين.


ولكن، هل يعني هذا التحليل أن الحركة العسكرية في مصر تشبه حركتنا هنا.. تشبه حركة حزبنا؟


هنا يجب التمييز بكل دقة ووضوح. قلنا أنها حركة فيها نواح ايجابية، وليست مغامرة طائشة كالإنقلابات العسكرية في سورية، وليست مشبوهة بالتدخل الإستعماري والنفوذ الإقطاعي والرأسمالي بالحد الذي كانت فيه الانقلابات العسكرية في سورية. ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن الحركة في مصر حركة ثورية..حركة إنقلابية كحركة حزبنا. وهنا لا بأس أن نستعمل بعض الألفاظ التي تساعد على التمييز، فيمكن أن نسمي الحركة العسكرية في مصر حركة تقدمية، بينما حركتنا هي حركة إنقلابية.


والحركة التقدمية، إذا أردنا أن نعرفها تعريفا موجزا بسيطا، هي التي تحقق تقدما ملموسا في ناحية أو أكثرمن نواحي الحياة السياسية والإجتماعية دون أن تبدل الأسس العميقة التي يقوم عليها المجتمع. في حين أن الحركة الإنقلابية تتناول هذه الأسس مباشرة. ولأنها تتناول الأسس فالحركة الإنقلابية حركة شاملة ليست جزئية، لأنها طالما تنفذ إلى الأسس لذلك لا تكون جزئية، وإنما تنظر إلى كل النواحي الأساسية دفعة واحدة، ويكون عملها مستوحى من هذه النظرة الكلية. فحركة مصر العسكرية هي إلى حد كبير حركة قطرية، ولا يمكن أن تسمى حركة قومية عربية. وحركة مصر أيضا لا يمكن أن تسمى حركة إشتراكية بالمعنى الصحيح، وإنما حركة تقدم نحو الاشتراكية.


ولا أظن أننا بحاجة إلى تفصيل في هذه الأشياء، المفروض أنها واضحة لديكم. فحركة الضباط في مصر اقتصرت إذا على معالجة أوضاع مصر كقطر.. ككل قائم بذاته.. لا كجزء من الوطن العربي وإنما ككل قائم بذاته. إلا أن هؤلاء الضباط الشبان بحكم سنهم وثقافتهم الجديدة، وجوهم النضالي أيضا، وبحكم تطور الظروف كانوا أكثر انفتاحاً من السياسيين القدماء في مصر على تقدير أهمية الرابطة العربية.. ليس من بدء حركتهم، وإنما مع الزمن -فيما بعد- أخذوا يتأثرون بالفكرة العربية، ويحاولون تطبيق شيء منها في سياستهم، لكن أكثر الأشياء بقيت عندهم في مستوى الدعاية.

وهذا مفيد بلا شك وبصورة خاصة لمصر، للرأي العام في مصر لكي يرتفع فوق انعزاليته وإقليميته، ولكنه لا يجوز أن يخدعنا كثيرا وان يطمئننا كثيراً، وأن نظن أن هذه الكلمات والشعارات التي تطلق بين الحين والآخر تنم عن حقائق واقعية. فما زالت حكومة مصر -في كثير من تصرفاتها- تعمل كأن مصر كل قائم بذاته، وأن البلاد العربية مجال لنفوذها: تتدخل في البلاد العربية لتكون حولها دولا صديقة ورأياً عاماً ودياً، ويكون لها نفوذ تستطيع أن تهدد به الدول الأجنبية أو تساوم عليه عند الضرورة.


على كل حال، يجب أن نبقى متفائلين ومرتاحين لهذا الاتجاه الذي ظهر عند الحكومة العسكرية في مصر، لأنه يمثل خطوة إلى الأمام بلا شك. ويمكن مع التأثير والتوجيه والتجارب المقبلة أن يتحول شيئا فشيئاً إلى قناعة صادقة تؤثر في السياسة العملية، ولا تكون محصورة في الدعاية فقط. ولكني أشرت إلى هذا الفارق لكي نضع حكومة مصر في موضعها الطبيعي، ولا نظن بأنها حكومة انقلابية. وفي رأينا لا انقلابية إلا على أساس عربي وحدوي. وكل محاولة لتبديل الأوضاع وتجديدها يجب أن تنطلق من هذه النقطة الأساسية: أمة واحدة.. وطن واحد.. له مصلحة واحدة، ومصير واحد، وبالتالي كان ما يجب أن يتحقق في قطر هو ما يلزم للقضية العامة لكي تتقدم وتتحقق، لا أن يكون هناك تقارب بين مصلحة قطر ومصلحة القضية العربية كلها.


حكومة مصر تقوم بإصلاحات في الناحية الزراعية والإقتصادية عامة لا تنكر فائدتها. ولكن هذه الفائدة ليست دوما الفائدة المرجوة ما دامت حكومة مصر تعتبر أن مصر في اقتصادها تكوّن وحدة كاملة تكفي نفسها بنفسها، وهذا شيء واضح وبسيط إذ أنه عندما نأخذ الوطن العربي كوحدة: ننظر إلى مختلف إمكانياته الاقتصادية، ونرى أن هذه الإمكانيات يكمل بعضها البعض الآخر. وعندما نريد أن نحقق شيئا من هذه الإمكانيات، وأن نحدث تقدماً: علينا أن نضع في حسابنا هذا الترابط بين أجزاء الوطن الواحد، فلا نقيم عشرين مرفأ في قطر ونهمل الأقطار الأخرى، ولا نقيم صناعة في قطر لا يملك المواد اللازمة لهذه الصناعة وبالتالي نتكلف أشياء باهظة جدا بينما نستطيع بتوحيد اقتصادنا مع الأقطار الأخرى أو مع بعض هذه الأقطار.. أن ننشئ صناعة لنا كعرب دون أن نحتاج إلى الرساميل الأجنبية أو المواد الأجنبية.


حتى الآن لم تظهر أي خطوة جدية تنبئ عن استعداد حكومة مصر لتوحيد الاقتصاد. كذلك من الناحية العسكرية، وإن ظهرت الآن خطوة لا بأس بها، نرجو أن تتطور وتتكامل في المستقبل، وذلك في هذه الاتفاقات بين مصر وسورية ومصر والسعودية.


على كل حال المقارنة بين الحكم القائم في مصر وبين حركة انقلابية عربية كحركتنا تدل على أن هذا الحكم يمكن أن يعتبر خطوة نحو انقلابيتنا نحن، شريطة أن نقف منه الموقف الواضح الصريح لكي نوجهه وجهتنا ونضغط عليه لئلا يتناقض مع اتجاهنا الانقلابي العربي، ولئلا ينتكس بمساومات إستعمارية أو رجعية: لأن التقدمية هي حل خطر.. التقدمية تقف في الوسط بين الرجعية وبين الانقلابية.. يمكن أن تُستغل من الرجعية، كما يمكن أن تُستغل من الانقلابية.. إذا أهملنا توجيهها يمكن أن تكون طلاء وتخديراً تتبناه الرجعية لكي تخمد النزوع الثوري. لأن الرجعية والإستعمار معها عندما تتطور الظروف وتشتد الحاجات الشعبية نحو التقدم والتحرر تسلم الرجعية بما لابد منه.. بأن يحدث شيء من التقدم لكي يغني عن المطالب الأخرى، تسلم بالعشرة لكي تتفادى التسعين، أو تسلم بالعشرين لكي تتفادى الثمانين.. وهذا ما يحدث في أوروبا وبلدان عديدة من العالم. إذ أن الإقطاع.. الرجعية القديمة.. لم تعد قادرة على الصمود في هذا العصر.. الإستغلال الجشع أصبح منافياً لطبيعة العصر، لذلك فإننا نجد الرأسماليين أنفسهم يشجعون حركات تقدمية ويقفون وراءها لكي تغني عن الحركات الإنقلابية التي تطالب بنسف الأوضاع.

الخوف من الحكومات التقدمية إذن هو هذا: أن تكون لعبة رجعية واستعمارية. هذا ما ظهر بشكل فاضح في سورية، ولكن اللعبة كانت مبتذلة جداً، لذلك لم تصمد للتجربة. أي ان الإنقلابات العسكرية التي ظهرت من سنة 1949 إلى آخر سنة 1951 كانت ترمي إلى هذا الغرض في سورية: ان تطمئن جمهور الشعب والفئة الواعية في البلاد.. الفئة المثقفة الظامئة إلى التقدم والتحرر.. تطمئنها أن شيئا من التحرر سيتحقق، فلا حاجة إذن إلى النضال الطويل والإنقلابية. ورأينا فعلا قسماً من الشعب ينخدع ويصدق أن الاراضي ستوزع، والعدل سيقام، والدولة سترعى حقوق المواطنين جميعاً.


كما أن قسماً من الفئة المتنورة -سواء عن انخداع أو عن وصولية- انجرفت مع الحكم العسكري وأيدته، ورضيت أن تكون آلة بيده مساعدة له.


إذن دائماً توجد هذه الحاجة: حاجة اختصار الزمن.. الإستعجال الذي يحقق أشياء عاجلة.. أما الحركة الانقلابية فلا تستطيع أن تؤمن حاجات الشعب بوقت قصير لأنها بتعريفها تريد أن تؤمن الحاجات الحقيقية.. تريد أن تضمن للشعب أوضاعاً تقيم العدالة نهائيا والمساواة والتحرر والوحدة.


هذه المطالب الصعبة لا تتحقق في يوم واحد ونضال سهل، بل تحتاج إلى جمهور متكاثر ووعي ونضال طويل حتى يستطيع هذا الجمهور الضخم أن يرفع مثل هذا العبء الضخم.. أن يزيح الاستعمار والحكومات المعرقلة لوحدة الوطن والمستغلة للشعب، وأن يقيم الأوضاع السليمة.


وبما أن الوعي لا ينتشر بسهولة في الشعب، ولا ينتشر بسهولة بمستوى واحد، بل بدرجات متفاوتة، فتأتي الحركات التقدمية لتستغل سطحية الوعي ولتلبي عند البعض حاجة الإستعجال، وهذه حاجة بشرية، وتقول: إن ما يعدونك به أنه سيتم بعد سنين طويلة، وبعد جهود مضنية، وبعد بذل الدم والعرق، نستطيع أن نحققه اليوم في شهر أو سنة. لذلك لا نستغرب أن ينخدع البعض بالخدعة التقدمية.


ولكن للحكم التقدمي نواح إيجابية.. ليس كله خداعاً.. وهذا ينطبق على الحكم في مصر: الحكم التقدمي فيها له إذن نواح ايجابية. لم تتوافر في سورية. فهو يحقق في الداخل بعض الإصلاحات: من توزيع الأراضي، والقيام بمشاريع اقتصادية تنمي ثروة البلاد وبالتالي تؤمن شيئا من الرفاه وترفع مستوى العيش.


وفي المجال العربي.. الحكم التقدمي في مصر سار خطوة لا بأس بها نحو التضامن العربي والتحسس بوحدة المصير وبالفكرة القومية، وبصورة خاصة في المجال الخارجي كان موقف حكومة مصر موقفاً جيداً ويدل على وعي وجرأة.. أي إرادة التحرر من الإستعمار.. والإنتباه لألاعيبه.. ومقاومة مشاريعه وأحلافه.. والإعتماد على قوى عربية وعالمية تسند هذا الإتجاه التحرري.. الإعتماد على الشعوب التي تكره الإستعمار لأنها ذاقته وعانته وتكره الحرب وتنشد السلام والتعاون بين الأمم. فسياسة حكومة مصر الخارجية في مقاومة الإستعمار والحياد بين الكتلتين الشرقية والغربية سياسية حكيمة صائبة وبالتالي تقدمية صادقة.


الناحية التي تشكل بقعة سوداء في هذه الصورة هي سياسة الضغط والإرهاب في الداخل، وهذا شيء واقع لا مجال لإنكاره أو تجاهله.


ولقد قلنا في بدء الحديث بأن الشيء الذي جعل مبرراً لقيام الحكم العسكري في مصر هو انعدام وجود حركة شعبية إنقلابية في داخل مصر، وهذا ما ساعد حكومة مصر على التخلص من الأحزاب القديمة وخاصة حزب الوفد الذي له قوة كبيرة. ولكن بما أن حزب الوفد كان سلبياً لا يمثل الحاجات الايجابية للشعب، واقتصر على الناحية السلبية التي هي مقاومة الإستعمار وطغيان الملكية فحسب فإن حكومة مصر استطاعت أن تبدد القوة الشعبية لحزب الوفد وأخذت تسعى لتشكيل قوة شعبية لها، نتيجة لهذه الإصلاحات التي أخذت تقوم بها، وهذا أمر مشكوك فيه، إذ لا تتشكل القوة الشعبية بالضغط، ولا تتشكل في الحكم.. القوة الشعبية الحقيقية تتشكل في النضال ضد الحكم وليس في الحكم. وسائل الحكم معروفة.. عدا الإصلاحات يلجأ إلى الرشوة، إلى التنفيع، يؤيد مصالح أشخاص لكي يؤيدوا الحكومة، يجد أنصاراً بين الموظفين، وفي النقابات،...

 

وهذا شيء مصطنع لا يمكن أن يشكل قوة شعبية بالمعنى الصحيح. وأعتقد أن الحكم العسكري في مصر ما زال يشعر بالفراغ.. ليس له قاعدة صلبة يعتمد عليها.


والآن تعرفون بأنهم مقدمون على تحول وعدوا به من قبل وهو تطوير الحكم العسكري الديكتاتوري إلى حكم فيه شيء من الديمقراطية وهم يعلنون دوماً بأن الديمقراطية التي يريدونها تختلف عن الديمقراطية التي كانت ممارسة من قبل..والتي كانت زائفة.. مستغلة.. وهذا صحيح: الديمقراطية القديمة كانت زائفة، كما هي الحال الآن في سورية ولبنان حيث توجد ديمقراطية زائفة.


فإذن هم ينوون أن يظل لهم توجيه.. ان يطوروا الحكم نحو أوضاع إستشارية فيها مجال لأخذ رأي مجموعات من الشعب، والتشاور معها: من نقابات العمال، وجمعيات الفلاحين، إلى نقابات المعلمين والموظفين وغير ذلك.


على كل حال، لا نستطيع أن نحكم على المستقبل ولا نعرف ماذا سيحققون بالفعل، ولكن علينا منذ الآن أن نوضح بعض النقاط: من جهة، صحيح أن الديمقراطية -الديمقراطية الحقوقية- التي لا تقترن بنظم اشتراكية هي فارغة تتحول إلى أداة بيد الأغنياء والمالكين ليستمروا في استغلالهم للشعب.. هذا شيء محقق في تجربة الشعوب.


وصحيح في نفس الوقت ان الديكتاتورية -ولو كانت كلها لمصلحة الشعب.. كل عمل من إعمالها لمصلحة الشعب- هي نظام مزعزع وغير ثابت.. غير صالح.. ومتناقض لأنه يعرّض الإصلاحات التي تقوم بها الديكتاتورية للزوال والضياع والفقدان في يوم ما، إذ أنها لا تسمح لوعي الشعب أن ينمو وأن يحيط هذه الإصلاحات بسياج من قناعته ووعيه ونضاله.

ويبقى دوماً في الديمقراطية.. وفي أسوا أشكالها.. في أشكالها الفارغ المتحجرة.. يبقى فيها عنصر أساسي يفيد الشعب.. يفيد المحكومين والمستغلّين. وهذا ما نحياه نحن في تجربة حزبنا في سورية. إذ أن هذه الديمقراطية الزائفة فيها نواح تسمح لحزبنا مثلا أن يعيش ويناضل ويعلن عن أفكاره، ويطالب بمزيد من الحريات والحقوق للشعب.


إذن إذا كانت هناك ظروف مؤقتة تقتضي، من أجل التغلب على اوضاع فاسدة طاغية، حرمان الشعب من الحرية لفترة مؤقتة.. هذا يجب أن يكون مشروطاً من جهة بالإصلاحات أي بمستوى الإصلاحات التي تقوم بها هذه الديكتاتورية من جهة، ومن جهة أخرى باتجاه هذه الديكتاتورية: هل تسير نحو التمادي في التسلط والحكم الفردي، أو أنها تسير من التسلط نحو الحرية.


فإذا كانت إصلاحات الديكتاتورية بسيطة، كان يمكن قيامها بدون ديكتاتورية، إذن لا مبرر لهذه الديكتاتورية. وإذا كانت هذه الديكتاتورية رغم إصلاحاتها الجوهرية تمشي نحو تمكين نفسها، فلا خير يرجى منها. واذا طبقنا هاتين الملاحظتين على الوضع في مصر نكاد نخرج بنتيجة ايجابية لمصلحة الحكم في مصر.


من جهة الإصلاحات التي تمت لا نقول بأنها جبارة تاريخية، ولكنها ليست بسيطة ولا فارغة.

 

ومن جهة أخرى هناك بادرة تشير إلى أن الحكم سيتوجه إلى تخفيف التسلط والإرهاب، والى شيء من الديمقراطية.


ولكن، هذا لا ينفي مطلقاً ضرورة الحذر الدائم، وضرورة المطالبة الدائمة بحقوق الشعب.. بحرية الشعب من جهة، والمطالبة أيضا بأن تكون سياسة الحكومة العسكرية في مصر منسجمة إلى أبعد حد ممكن مع الإتجاه الانقلابي أو قريبة منه. فنحن مع اعترافنا بإيجابية بعض الأعمال التي قامت في مصر مثل إلغاء النظام الملكي وتوزيع قسم من الأراضي، وتخطيط مشروعات إنشائية، وتقوية الجيش، وانتهاج سياسة تحررية وذات اتجاه عربي.. مع اعترافنا بهذا كله لابد أن نذكر بان الرأسمالية ما زالت في مصر، والرأسمال الأجنبي ما زال يلعب دوراً كبيراً.. ولم يحدّ مطلقاً من دخول الرأسمال الأجنبي، والعكس قد يكون اقرب إلى الواقع. وتوزيع الأراضي كان بنسبة محدودة، وهو ليس اشتراكيا بل تقدمياً. التوزيع الإشتراكي يكون بدون مقابل لأن حق المواطنين في الأرض ثابت ومكفول. أما حكومة مصر فقد اعترفت للمغتصبين بحقوق، وأعطت للفلاحين الأراضي مقابل ثمن، وسهلت لهم دفع الثمن على أقساط، ولكنها لم تعطها لهم بدون مقابل.


وما زالت هناك نقاط حيرة واضطراب في السياسة العربية والسياسة الخارجية، إذ لم تنفض حكومة مصر يدها نفضاً تاماً من الدول الإستعمارية. بين الحين والآخر هناك تعامل.. وتفاوض.. واقتراض.. ومساومة الخ..


وفي السياسة العربية تعطي كلاماً أكثر مما تعطي عملاً. صحيح أنها في مقاومتها للأحلاف الاستعمارية: هذا عمل وليس كلاماً، ولكن في الأمور الايجابية: الخطوات نحو الوحدة.. التوحيد الاقتصادي والثقافي ما زالت حكومة مصر مترددة.. ناقصة الجرأة.. بطيئة التنفيذ.. وما زالت تستخدم أساليب الحكومات الأجنبية في بعض الأمور: لها عملاء في بعض الأقطار العربية بدلاً من أن تكون جزءاً أصيلاً من الأمة العربية.. من الوطن العربي.. ما زالت سياستها تتأرجح بين هذين المستويين: المستوى القومي، والمستوى القطري.


الخلاصة: خير تعريف للحكومة المصرية أنها حكومة تقدمية.. متوسطة بين الرجعية والانقلابية، وإذا نظرنا إليها نظرة فيها تحبيذ من بعض النواحي فليس ذلك لأننا نعتبرها مثلنا ومثل حركتنا، بل لأننا نأمل أن تكون خطوة مقربة ومساعدة لنضالنا. هذا الحكم التقدمي لا يمكن أن يغني عن العمل الانقلابي العربي. ونخشى أن يتحول هذا الحكم التقدمي إلى لعبة بيد الرجعية والإستعمار ليضرب الانقلابية ويخدع الشعب بأنه هو الانقلابية مع أن بينه وبينها فرقاً أساسياً.
***

سؤال: هل كان بإمكان الحكم في مصر أن يوزع الأراضي بدون مقابل؟


-طبيعي حينما نشير إلى هذا النقص.. لا نريد أن نقول أنه كان بإمكان حكومة الثورة أن تعطي الأراضي بلا مقابل.. هذه الحكومة ليست انقلابية، والحكومة الانقلابية وحدها تستطيع أن تنظم المجتمع على أسس جديدة.. الحكومة المصرية تنظم المجتمع على الأسس القديمة. إعطاء الأراضي بلا مقابل يمكن أن يحدث ثورة على الحكومة: يتآمر الإقطاعيون مع الإستعمار.. الخ.. فهي حكومة لم تمهد لحكمها بنضال شعبي.. ليس لها نظرية واضحة.. لم تربط قضيتها بالقضية العربية عامة.. ولا تستطيع أن تقتحم صعوبات أكثر من استعدادها.. واستعدادها يقف عند هذا الحد.

سؤال: الا يشكل موقف الحكومات العربية الرجعية عاملاً معرقلاً أمام سياسة مصر العربية ؟

-لم أشر إلى العراقيل من طرف الحكومات العربية الأخرى التي هي رجعية.. إقطاعية.. متآمرة مع الإستعمار إلى حد ما.. لأن هذا شيء مفروض ومفروغ منه.

 

نحن بصدد البحث عن حكومة مصر. حكومة مصر متحررة من كل الملابسات التي تحيط بالحكم الرجعي في سورية ولبنان وغيره. المفروض أن تكون أكثر تحمساً.. هي تعرض.. الآخرون يعرقلون.. يجب ان لا تقف عند عرقلتهم.. يجب أن تكون هناك مثابرة ومحاولة أكثر جدية. هذا ما قصدته. وهو ناتج عن ضعف وعيها العربي.. هي رغم هذه البوادر الحسنة فوعيها ليس وعياً انقلابياً.. لو كان وعيا انقلابيا لضحت بمشاريع كثيرة من أجل مصرفي سبيل خطوة توحيدية عربية، لأنها تعود عليها وعلى الشعب العربي بأضعاف الفوائد التي يحققها مشروع كالسد العالي مثلا.

سؤال: هل هناك إمكانية لتوحيد مصر مع سورية أو مع السعودية؟ وما هو موقفنا؟.

-السعودية: تعرفون حالها.. الشيء الجدي مع سورية، وهذا لاشك شيء ايجابي، ولكن يبقى معرضاً لشتى الأخطار والاحتمالات، لأنه لم ينفذ الميثاق المقترح الذي طوي، والذي نأمل أن يعود: توحيد في السياسة والاقتصاد والجيوش. نفذ توحيد في القيادة العسكرية.. معنى هذا: إذا غيرت مصر سياستها يبطل التوحيد العسكري، كما أن إرجاء التوحيد الاقتصادي يضعف كثيراً إمكانيات التوحيد.


مصر ستبقى دوماً سائرة في سياسة مقاومة الإستعمار، وفي السياسة العربية التحررية.. هذا لم يُنص عليه، ولكن الأمل أن يوجد هذا. وهنا الخطر: خطر 10 من مصر و50 من سورية، لأن السياسة المناوئة للاستعمار وأحلافه قد تتغير.


الاستبشار الزائد بتوحيد القيادة العسكرية ليس مفيدا كثيرا. لا تبالغوا بأهميته.. كل شيء أحسن من العدم ولكن لا يجوز الاطمئنان ولا الإكتفاء ولا القناعة. الواجب القومي الملقى علي الجيوش العربية واجب كبير شاق: خطر "إسرائيل" معروف، و"إسرائيل" معناها الإستعمار: الإستعمار يدفعها للتوسع لسحق النهضة العربية، لكي يبقى الإستعمار مستثمرا لبلادنا، أي ثروتها وموقعها. هذا لا يتم بأن يجتمع أركان سورية ومصر.. هذا أحسن من العدم.. صحيح، ولكن المهمة كبيرة وشاقة فالمهمة التي أمامنا الآن هي تزويد الجيش بالأسلحة.. والتحصينات.. والعدد المتزايد.. هذا لا يكون إلا بتنمية ثروات البلاد..


فالتوحيد الاقتصادي أساسي، إذا ضمنا عدم تغير السياسة في مصر وبقاء سياستها متحررة.

 

لا يجوز أن نضع هذه الحكومة في مستوى الحكومات الرجعية: هي حكومة تقدمية. ونحن كحركة ثورية.. طريقنا طويل.. يجب أن تكون لنا نظرة للحكومات، للعراقيل التي في طريقنا.. هذه أخف من غيرها.. هذه مفيدة.. هذه أنسب من غيرها، ولكن ليس أمامنا حكومة انقلابية.. حكومة انقلابية لا تعترف بتقسيم فلسطين ولا تسكت عن فرنسا بعد شهر من الحملات الإذاعية عليها. ولكنها أحسن من حكومة نوري السعيد وأحسن من حكومات سورية المتعاقبة.

 

عملياً: الشعب متحمس لحكومة مصر، ونحن يجب أن نُفهم الشعب حقيقة وضع حكومة مصر، وما هي حقيقتها.


الحكومات في سورية هي دون حكومة مصر بكثير: من حيث الإخلاص.. الوعي.. التحرر من المصالح.. وبالتالي التحرر من الإستعمار. ولكن إقدام هذه الحكومات على أعمال الخيانة، هذا شيء آخر فالحزب يغير لها حساباتها..

سؤال: ما هي الضمانة، إذن، لتحقيق السياسة العربية التحررية ؟

-الضمانة في طليعة الحكم النضالية الجماهيرية. الاستعمار يشجع أحيانا حكومات تقدمية...الإستعماركثيراً ما يصير «تقدمياً» يسلم 10 لكي لا يضيع 90. لو بقي فاروق وزادت النقمة.. ربما هب الشعب وأحرق الأخضر واليابس.. أميركا أيدت الإنقلاب في مصر لتوجد متنفساً لنقمة الشعب، لكي لا تنصبّ النقمة على الغرب فتطيح بكل ما له من مصالح.


أميركا لم تكتب صكاً مع رجال الثورة في مصر، ولا الشيشكلي ولا حسني الزعيم، وإنما كدولة خبيرة وقادرة.. تعرف ما يمكن أن يخرج من هذا الحكم.. إلى أي حد يصل هذا الحكم.. حكم من ضباط عسكريين ليس لهم حزب وليس لهم سند.. يحكمون بالسلاح.. يكسبون عداء الإقطاعيين.. يكسبون مودة الفلاحين، ولكن مودة الفلاحين على جهلهم ليست عنصرا فعالا.. وأرض الفلاح لا تعطي سريعا، فأميركا تضمن أن حكومة من هذا النوع لن تكسب شعبية كبيرة، ولكن حسابات أميركا لم تكن مضبوطة.. لم تكن تعرف ماذا ستفعل حكومة مصر. حكومة مصر تمخضت عن الكثير، ولكن لا نستطيع أن نبتعد كثيرا: فحكام مصر لا يغلقون ابواب مصر في وجه الرساميل الأجنبية.. اخرجوا الانجليز باتفاق وليس بالسلاح.. لا يذهبون في قضية فلسطين إلى أبعد من مقررات الأمم المتحدة.. الرأسمالية باقية في البلاد. أي أن حكومة مصر لها حدود معينة لا تستطيح تجاوزها.

سؤال: هل تأثرت حكومة مصر بمواقف الحزب؟.

-حكومة مصر تأثرت بالحزب دون اتصال مباشر، ثم طلبوا الاتصال، وحصل. وطلبوا كتابات.. وأعطينا رأينا في أعمالهم الداخلية: أصدرنا بيانا بمناسبة إعدام الإخوان المسلمين -رغم رأينا فيهم- وبينّا أننا لا نوافق على القمع والإرهاب، وأرسلوا يطمئنون على أثر بياننا، وأنهم سائرون نحو الديمقراطية.


الشيء نفسه حصل بالنسبة للحياد: قلنا بالحياد منذ 8 سنوات أو أكثر. هناك براعة في سياسة مصر، ولكن واجبنا نحن أن نلتزم الخط القومي الواضح، ونضغط على الآخرين.. نحن لا نفهم المساومة.


واجب الحزب مزدوج: أهم شيء عليه تكوين رأي عام عربي إنقلابي.. هذا الواجب أساسي. واجب آخر بالدرجة الثانوية: توجيه الحكومات حينما تكون هناك بادرة إخلاص.. هذا التوجيه يكون بضغط الشعب.. الشعب بضغطه يسمح أن يكون لرأيك وزن إذا ما قدمته للحكومة مثلا.

 

يجب أن يكون اتصالنا بالشعب واسعاً: جرائد - بيانات - لقاءات.. ونتصل بالحكومة إذا ما ظهر إخلاصها.

آذار1956

 

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الثاني