ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الثاني


إلى المناضلين الواعين: إحفظوا وحدة النضال واحذروا المغامرين
 


إذا أردنا
(1) أن نخطو بنضال الشعب العربي خطوة جديدة إلى الأمام فالواجب يدعونا إلى توضيح أمور لها اكبر الأثر في مستقبل هذا النضال، أي في مستقبل الأمة العربية.


من الأمور البديهية أن النضال الصحيح الذي يكتب له النجاح هو الذي يعتمد على قوى الأمة، والذي يستطيع أن ينقذ هذه القوى ويجمعها وينظمها. ولا حاجة إلى القول أن النضال الذي نعنيه، والذي هو وحده جدير، بأن يندفع إليه العرب وينتظموا فيه، هو نضال الشعب العربي في سبيل بلوغ الأهداف القومية الكبرى: الحرية والاشتراكية والوحدة. فإذا كانت هذه المهمة في غاية الصعوبة لأنها تصطدم بقوى هائلة من الرجعية الخارجية والداخلية، وإذا كان الضامن الوحيد لنجاحها هو اعتمادها على القوى الحية التحررية في الأمة، فلا بد إذاً من أن تنهض بهذه المهمة حركة واحدة، تتوصل إلى توجيه هذه القوى بأسلوب واحد ونحو غاية واحدة. فكما أن فكرة هذا النضال هي شيء أساسي خطير، وبمثابة الروح للنهضة العربية الحديثة، نعني بها فكرة: الحرية والاشتراكية والوحدة، فكذلك طريق هذا النضال، الطريق الذي يسمح للفكرة بأن تتحقق، هو ايضاً شيء أساسي خطير في حياة العرب، وبمثابة الجسم لنهضته. هكذا يظهر الخطر الكبير على مستقبل النضال وبالتالي على حياة الأمة من أولئك المغامرين المرتجلين الذين يدعّون أن للفكرة الواحدة أكثر من طريق، وأكثر من أسلوب واحد للتحقيق، وهم في الواقع يريدون أن يستغلوا روعة الفكرة الشعبية وقدسيتها لنجاحهم الشخصي، دون أن يكون لديهم أي استعداد جدي، وأي عزم صادق على خدمتها. وكيف يستطيع هؤلاء الأفراد المغامرون أن يحملوا أعباء فكرة لا تقوى على النهوض بها إلا قوى الأمة بكاملها، وكيف يستطيعون أن يصمدوا لمؤامرات أعدائها الكثر، وما هي الضمانة لصمودهم أمام إغراءات هؤلاء الأعداء ووسائل إفسادهم، ما داموا -بحكم اتباعهم أساليب المغامرة والإرتجال- يرفضون السير في أي طريق واضحة منظمة، ويتهربون من كل مراقبة على أعمالهم ؟


والفرق واضح بين المناضلين والمغامرين، فالمناضلون يخلقون النضال ويظلون مع ذلك أدوات خاضعة لقانون الحركة التي خلقوها ويحيلون كل قوى يكسبها النضال لأشخاصهم إلى قوى تغذي الحركة نفسها وتعينها على المزيد من الصبر والمقاومة، وعلى السير القويم المتفق مع منطق الفكرة، أما المغامرون فهم أولئك الذين يستهويهم النضال في مراحله الحماسية السهلة، أو يندسون في صفوفه دون إيمان، حتى إذا نالوا قسطا من الشهرة والنفوذ تبين لهم أن الانفلات من قيود النضال ومنطقه القاسي، وطريقه الطويل، يسمح لهم بالقفز في مضمار النجاح الشخصي. وهذا ما يقودهم بسرعة مفاجئة إلى التآمر والخيانة، إذ ليس لهؤلاء من طريق وسط.


إن شعار البعث العربي ركز سمات النهضة الحديثة في حقيقتين: وحدة الأمة العربية وخلود رسالتها، وإن لهذا الشعار ترجمة عملية تجعل قانون النضال العربي قائماً على الشرطين التاليين: وحدة الحركة وثبات فكرتها.


5 كانون الثاني 1950
 

(1) نشر في جريدة "البعث" في 5 كانون الثاني 1950.

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الثاني