ميشيل عفلق

في سبيل البعث - الجزء الأول


العرب بين ماضيهم ومستقبلهم

 


ان علاقة الدين بالدولة التي تثار الآن في سوريا بمناسبة وضع الدستور الجديد هي من أهم القضايا القومية، لا كما يريد البعض ان يصورها بأنها مسألة تافهة. فهذه القضية تشمل شيئا اوسع من علاقة الدين بالدولة، وهو علاقة الأمة بماضيها وموقفها من مستقبلها، كما أنها تعني الأسس الروحية والحقوقية التي تقوم عليها القومية العربية في المستقبل.


أما الذين يقللون من شأن هذه القضية فالمرجح أنهم يقصدون فساد الأسس التي يبني عليها دعاة مزج الدين بالدولة نظريتهم وفساد الأساليب التي يلجأون إليها لدعم هذه النظرية، وسوء النوايا والأغراض السياسية والاجتماعية التي تحرك بعض المتزعمين لهذا الموقف أو بعض المناوئين له، لذلك وجب أن نتناول كل نقطة من نقاط الموضوع ونوضح حقيقتها الفكرية ونتائجها العملية، القريبة والبعيدة، في حياة الأمة العربية.


لماذا ظهرت هذه المشكلة في سوريا، وماذا يعني ذلك؟ لا شك أن قيام جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد كان المناسبة لظهور هذه المشكلة، ولا شك ايضا ان في وضع سوريا السياسي الشاذ وما يلابسه من أغراض حزبية ومداخلات أجنبية، عاملا كبيرا في اثارة هذه المشكلة وتوسيعها. ولكن الى جانب ذلك توجد عوامل أخرى تعطي للأزمة القائمة معنى أوسع وأعم وأعمق من معنى الازمات الحزبية والسياسية الطارئة، وهذه العوامل منها ما يتعلق بوضع سوريا التاريخي أي بكونها تضم عدة طوائف ومذاهب، ومنها ما يتعلق بوضع سوريا القومي بالنسبة الى النهضة العربية الحديثة، أي باعتبار سوريا أكثر الأقطار العربية اتصالا بفكرة القومية العربية وبحركة انبعاثها، وأكثرها تهيؤا لوضع الأسس الشاملة لهذه الفكرة ورسم الخطوط الواضحة لمستقبل الأمة العربية.


والحق أن لسوريا وضعا قوميا ممتازا تضافرت على خلقه عوامل عدة، تاريخية واجتماعية وسياسية. فسوريا قطر عربي صغير ليس فيه من الإمكانات ما لمصر مثلا، وهي أيضا رغم تقدمها النسبي في الثقافة والأوضاع الاجتماعية، إذا قيست ببعض الأقطار العربية المتأخرة في هذا المضمار، فأنها تقصر عن مصر ولبنان ولا تفوق العراق.


يمكن القول ان سوريا تمثل النقطة الوسط بين التيارات التي تتجاذب العرب في هذا العصر. فصدرها منفتح لتأثيرات الحضارة الغربية، وقلبها زاخر بالعواطف والذكريات العربية. لذلك كان كل تفاعل بينها وبين حضارة العصر الحديث يهز فيها وجدانها العربي، ويؤدي إلى تعبير جديد عن هذا الوجدان المستيقظ على شروط جديدة في الحياة. في حين نرى الأقطار العربية الأخرى موزعة بين طرفين متطرفين، فهي اما شديدة البعد عن تأثير الحضارة الحديثة، بعدا يترك الوجدان القومي فيها هاجعا متبلدا، وأما شديد القرب من تأثير هذا الحضارة، بشكل يطغى على هذا الوجدان فيجعل يقظته أشبه بيقظة المحموم تذهله عن شخصيته وهويته وتسبب له انحرافا عن الطريق الطبيعي السوي.

 
العرب بين الماضي والمستقبل - والأصح أن نقول أن المشكلة القائمة هي بين حاضر العرب ومستقبلهم، اذ لا يوجد في البلاد العربية نزعة فكرية خالصة يصح بأن تسمى رجعية، أي انها تقول بالرجوع الى الماضي، واعادة بناء المجتمع العربي على أساسه. ولكن النزعتين الراهنتين اللتين تتوزعان العرب في هذا العصر وتتجاذبانهم هما: نزعة محافظة تحاول الاحتفاظ بالأوضاع الراهنة وما يلابسها من تقاليد ومصالح، ونزعة قومية تقدمية تضيق بهذه الأوضاع وتسعى لتحطيمها والانفلات منها الى حياة تكون أصدق تعبيرا عن امكانيات الشعب العربي وحاجاته. فالمحافظون هم جميع الذين لهم مصلحة في بقاء الأوضاع الراهنة، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم فكرية. وهم بحكم هذا التعريف أقلية بالنسبة الى مجموع الأمة تجمعهم على اختلافهم صفة الاستغلال. اما التقدميون فيمثلون الكثرة الساحقة التي تتوقف حياتها على التخلص من تلك الأوضاع. وكما ان نقص الوعي عند بعض المحافظين يقودهم الى التناقض وتأييد ناحية من نواحي التحرر، فكذلك نقص الوعي عند جمهور الشعب ما زال يدفعه الى معاكسة ناحية او أكثر من نواحي قضيته القومية التقدمية.


أما المشكلة النظرية التي تقوم في أذهان البعض على الإختلاف بين الإستمساك بالماضي والتحرر منه، فهي مشكلة وهمية يكفي لتبديدها ان توضح. فالماضي الذي تحنّ اليه الأمة وتجد فيه ثروة لها قوة، هو الزمن الذي تحققت فيه روحها، والمستقبل الذي يناضل التقدميون في سبيل بلوغه ليس الا ذلك المستقبل الذي تستطيع فيه الروح العربية أن تتحقق من جديد. ولكن بينما يحسب البعض ان هذا السير نحو تحقق الروح العربية يجب أن يكون رجوعا وهبوطا أي ايغالا في الجمود والشكليات، يرى التقدميون انه يجب أن يكون سيرا حرا صاعدا وبتعبير آخر، يريد الفريق الأول ان يصل الى الروح عن طريق الأشكال الميتة، بينما يسلك الفريق الثاني، الطريق الطبيعي الصادق، وذلك بالانعتاق من كل ما هو جامد ميت، وباستثارة كوامن الحيوية وروح الحرية والمسؤولية في نفوس العرب. وبينما يعتبر الأولون الماضي منحة وهبة تكافأ بها العبودية والجمود، يرى الآخرون في الماضي استحقاقا لا يبرره الا النضال الصاعد والمواهب المنطلقة، فالروح لا ترجع ولا تهبط ولكننا نحن الذين نتقدم نحوها ونرتقي اليها لنلتقي بها.


الهدم والبناء - يظهر مما تقدم ان الموقف الذي يتبناه البعث العربي هو الموقف الروحي الايجابي البناء. ولكن في الحالة التي وصلت اليها الأمة العربية نتيجة قرون من الانحطاط وفقدان الشخصية والعجز عن الابداع، أصبح من العسير ان نطمئن الى القيم والمفاهيم الاصطلاحية، ولم نعد بد مع من اعادة النظر فيها للكشف عن ينابيع الروح وعناصر الخلق والبناء. وان النظرة الفاحصة المتعمقة لتوصل الى رؤية الروح في المظاهر المتنكرة لها، كما توصل الى رؤية المادة والزيف والنضوب، في المظاهر المقنعة بقناع الروح، تلك هي حالة التناقص التي تؤذن بالثورة. فالتدين الرائج الذى ينطوي على الشيء الكثير من النفاق والنفعية والجهل، والاخلاق السائدة التي تقوم أيضا على النفاق والنفعية والاعتبارات الرخيصة السطحية والتقاليد الموروثة التي نضبت منها الحياة وفقدت كل تجاوب مع الحاجات الجديدة، كل هذا لم يعد صالحا ولا قادرا على امداد الأمة بالحيوية ودفعها الى السمو. وليس يمنع ذلك من ظهور بعض تفتحات للروح وسط هذه البيثة المشوهة الناضبة، الا ان هذه التفتحات لا تلبث ان تختنق وتخمد بسبب افتقارها الى التربة الندية والهواء الطلق فإذا لم تصحح القيم وتغير التسميات فستظل هذه البيئة الروحية في عنوانها، المادية في حقيقتها قبرا مفتوحا يبتلع كل محاولة للإنبعاث، ويقضي باسم الدين والاخلاق والتقاليد، على كل ارتعاشة روحية ووقفة اخلاقية صادقة، وكل يقظة للشخصية القومية.


وفي طلائع الحياة الجديدة تكمن القوى الروحية الحقة مختلطة ببعض الزيف والسطحية والشر، ويفرض عليها هذا الاختلاط فرضا لاستمرار الإلتباس في القيم والمفاهيم، ويسبب لها ارتباكا في السير وقلقا في الإتجاه، وخللا في التجانس. واذا لم تصحح التسميات وتصبح الفروق والحدود واضحة حاسمة بين مفهوم الرجعية ومفهوم الثورة فسيظل قسم غير ضئيل من قوى التحرر ضائعا مهدورا. ان التصحيح الذي نطلبه هو الذي يختصر مرحلة الهدم ويفسح المجال واسعا للبناء القومي المحكم، لان الهدم ليس هو، كما تدعي الفئات المحافظة المستغلة، في وثبات التحرر، ولكنه في التضليل الذي يؤخر انطلاق العناصر الحية من سجن البيئة المحافظة، كما يؤخر خلاص القوى التحررية من العناصر المزيفة والسطحية والمنحلة.


القيم الروحية والاقتصاد - لعل أهم ما يميز هذا العصر اكتشافه لحقيقة كبرى هي أهمية الاقتصاد وتداخله في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والفردية. وقد كان اكتشاف هذه الحقيقة مصحوبا بالغلو والجموح فاضطرت -لكي تعلن عن نفسها وتحتل مكانتها المشروعة بين الحقائق الانسانية- ان تظهر بمظهر الاستئثار والتعسف، وقدمت نفسها على انها الحقيقة الأولى والاخيرة، والحقيقة الوحيدة. ونتج عن ذلك تشويه وتضليل كبيران. ولا يحارب التشويه والتضليل بالتجاهل والعناد بل بروح الانصاف والتجرد، أي بالاعتراف لهذه الحقيقة بنصيبها العادل الراهن من الوجود.

 

والعوامل الاقتصادية ان لم تكن كل شيء في حياة البشر فهي شيء كبير وخطير، وان لم تكن المؤثر الأول فان لها على كل حال تأثيرا متبادلا وفي بعض الأحيان حاسما مع العوامل الأخرى. وان كل تعريف للروح وقيمها لا يحتوي في صلبه اثرا للعوامل الاقتصادية وتقديرا لأهميتها وتوقعا لنتائجها، انما هو تعريف ناقص وزائف. والخطر على الروح لا يأتي من الذين ينكرونها ويتحدونها بل من الذين يزيفونها ويسترون بعض جوانبها الأساسية. وكل توكيد للقيم الروحية يقف عند حدود الألفاظ والمبادىء المجردة، ويجبن عن مجابهة الحقائق الواقعية والسير بالمبادئ الى آخر طريق التحقيق، انما هو في الواقع خيانة وانكار للروح وستار لتوكيد نقيضها أي ستار للمادة الغاشمة. وعندما تتشوه القيم الى حد التناقض، وتفسد الأوضاع حتى تؤدي الى عكس الغاية التي وجدت من أجلها، في مثل هذه الحالة تصبح الدعوة الروحية الأصيلة هي التي تتحرر من نفسها، أي من الزيف الذي وقعت فيه الروح، ومن المصطلحات التي باعدت بينها وبين وظيفتها الحيوية، وتصبح الدعوة الروحية وعاءا رقيقا شفافا للمشاكل الإجتماعية والمادية، فتعطي لهذه المشاكل المقام الأول من الإهتمام وتصعد منها في ارتقاء شاق بطيء لتعلن في نهاية هذا الصعود -بظفرها على مشاكل المادة- عن حقيقتها.


الدين في البعث العربي - لقد ظهر البعث العربي في حياة العرب الحديثة وفي وسط الجمود والجحود والنفعية والانحلال حركة إيمان عميق تستقطب النفوس النقية السليمة، وتجتذب الإرادات القوية الصادقة وتجمع حولها الأفراد المشبعين بحب الأمة العربية، المؤمنين بعظمتها، الذين لم يعمهم ما طرأ على هذه الأمة من فساد عن رؤية جوهرها وامكانيات مستقبلها، ولم تستطع مغريات الواقع ومصاعبه أن تغلب فيهم ارادة العمل للكشف عن هذا الجوهر وبعث تلك الامكانيات. فنشوء البعث العربي إنما هو دليل ساطع على الإيمان، وتوكيد للقيم الروحية التي ينبع منها الدين.

 

ولكن هذه الصفة نفسها، صفة الإيمان المميزة للبعث العربي هي التي فرضت عليه الاصطدام بجميع الحركات التي تنكر الإيمان أو تتستر بإيمان سطحي زائف. وقد كان ظهور البعث العربي منذ عشر سنوات إيذانا بحرب صريحة على الجانب المادي السلبي الحاقد من الحركات التحررية، وعلى القومية اللفظية الرائجة التي تمثل الجفاف والنضوب والعجز عن الخلق، وترى في الواقع الفاسد الحقيقة النهائية فتفقد كل سيطرة عليه، كما انه لم يكن بد من التعرض للتدين الرائج الذي تتمثل فيه أيضا هذه الشوائب وقد تحدى البعث العربي منذ ظهوره هذه المظاهر المريضة وأرجعها كلها الى سبب واحد هو فقدان الثقة بالنفس. ففي الشيوعية في بلادنا يقظة مصطنعة للذين فقدوا الاتصال بروح أمتهم ويئسوا من كل خلاص يأتي من داخلها، فارتضوا خلاصا خارجيا مصطنعا. والقومية الرائجة ارتضت بالمرض حالا عادية سوية، وأقرت النفعية والعبودية والكذب قيما ثابتة للمجتمع لان الثورة على هذه المفاسد كانت تقتضي منها ثقة بقدرة الأمة على التغلب عليها. والتدين الرائج فقد كل صلة بالروح والحوافز التي كانت مصدر الدين بالماضي والتي جعلت منه حركة احياء وتجديد ويناء فآل الى حالة من الجمود والمحافظة والجهل، فسحت أرحب المجال للرياء والاستغلال.


وقد دعا البعث العربي الى مفهوم جديد للحياة القومية والحياة بصورة عامة، قوامه الإيمان بالقيم الروحية الإنسانية، وبقيمة الروح العربية الاصيلة، ومظهره الانفصال الحاسم عن مفاسد الواقع ومكافحتها في طريق صاعدة شاقة تسير فيها الأمة ببطء وجهد نحو الاتصال بروحها من خلال هذا الصراع الدامي بينها وبين واقعها. لذلك لم يبق في مفهوم البعث العربي مجال لأي تدين لا يحمل آثار هذا الإيمان المثالي. والبعث العربي الذي هو حركة روحية ايجابية لا يمكن أن يفترق عن الدين او يصطدم معه ولكنه يفترق عن الجمود والنفعية والنفاق.


البعث العربي حركة قومية تتوجه الى العرب كافة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وتقدس حرية الاعتقاد وتنظر الى الأديان نظرة مساواة في التقديس والاحترام. ولكنها ترى الى جانب ذلك في الإسلام ناحية قومية لها مكانتها الخطيرة في تكوين التاريخ العربي والقومية العربية، وتعتبر هذه الناحية ذات صلة وثيقة بتراث العرب الروحي وبمميزات عبقريتهم. لقد كان البعث العربي أول حركة أوضحت هذه الصلة ووضعتها في صيغتها السليمة فحلّت بذلك أزمة مزمنة وأنقذت القومية العربية من مفهومين منحرفين: مفهوم القومية المجردة الذي يفرض عليها الاصطناع والفقر، ومفهوم القومية الدينية الذي يقضي عليها بالتناقض والتلاشي.


فالاسلام من حيث هو دين صرف مساو لغيره من الأديان في الدولة العربية التي تساوي بين جميع مواطنيها وتحترم حرية معتقدهم. والاسلام من حيث هو حركة روحية امتزجت بتاريخ العرب واصطبغت بعبقريتهم وأتاحت ظهور نهضتهم الكبرى له مكانة خاصة في روح القومية العربية وثقافتها وحركة انبعاثها، الا ان هذه المكانة لا تفرض فرضا بل تولد من الحرية وتستمد من قوة الروح ومن مدى اتصال العرب بروحهم وتجاوبهم الحر العميق معها. وبهذا المعنى تستلهم حركة البعث العربي من الإسلام تجدده وثورته على القيم الاصطلاحية. تستقي من نبعه فضائل الإيمان والمثالية والتجرد عن المنافع الشخصية والمغريات الدنيوية في سبيل نشر المبادئ التي تنقذ العرب في هذا العصر من ضعفهم وتفككهم وانخفاض مستواهم الروحي والاجتماعي. والبعث العربي اخيرا يستمد من حركة الاسلام الخالدة قوة الصبر والمقاومة لتيار الواقع المريض، ويجد فيها قدوة رائعة تحتذى في الغيرة الصادقة على مصلحة الأمة وفي معالجة أمراضها بجرأة وصدق دون تملق رخيص للعواطف السطحية، ودون استناد الى قوى الجهل والحقد وعبودية النفس والفكر، وهو مؤمن بأن هذا الاسلوب المنسجم مع سمو المبادئ التي ينادي بها هو الأسلوب الذي يكتب له النجاح آخر الامر كما كان ذلك في الماضي، وكما سيكون دوما.


الدولة في البعث العربي - ان الدولة العربية التي يعمل لها البعث العربي هي التي تتيح لجميع المواطنين أن يعملوا متعاونين على تحقيق امكانيات الأمة العربية في مجال الروح والمادة، وذلك بتحقيق امكانيات كل فرد من افرادها دونما عائق مصطنع. وبذلك تبعث القوى الكامنة في الأمة وتصحح القيم البالية ويستعيد كل مواطن حقه المقدس كاملا في الحرية والمسؤولية. فالدولة اذن تقوم على أساس اجتماعي هو القومية، وأساس أخلاقي هو الحرية. وافرادها يكونون مرتبطين بقوميتهم مسؤولين عن اداء واجباتهم نحوها بقدر ما يكونون احرارا فيها. وعندما نفهم الدولة على هذا الشكل ونرى فيها مجالا لبعث الأمة وبعث قوى افرادها ولتصحيح القيم وإزالة الكذب والزيف والضغط من حياة المجتمع، ودفع هذا المجتمع في طريق ايجابية مبدعة لاداء رسالة الأمة إلى الإنسانية فمعنى ذلك ان هذه الدولة هي نقيض الإلحاد والفساد وكل ما هو سلبي هدام. وعلمانية الدولة بهذا المعنى ليست إلا إمعانا في الحرص على اتجاهها الروحي والأخلاقي، لانها ليست إلا إنقاذا للروح من شوائب الضغط والقسر ووضع العراقيل المصطنعة أمام يقظة الروح واستقلال الخلق وانطلاق النشاط في نفس كل عربي.


وما دام الدين منبعا فياضا للروح، فالعلمانية التي نطلبها للدولة هي التي بتحريرها الدين من ظروف السياسة وملابساتها، تسمح له بأن ينطلق في مجاله الحر في حياة الأفراد والمجتمع وبأن تبعث فيه روحه العميقة الأصيلة التي هي شرط من شروط بعث الأمة.
 

عام 1950
 

 

 

الصفحة الرئيسية للجزء الأول