ميشيل عفلق |
في سبيل البعث - الجزء الأول |
الزمن والحركة الإنقلابية
ففكرة السرعة هي من صميم الحركة الإنقلابية. وهذا يفترض أن تكون هناك حركة تستطيع السيطرة على الزمن وتعجيله، ووجود هذه الحركة يتطلب بحد ذاته بعض الزمن. فإذا قيل لنا بأن الوقت الذي نقضيه في تكوين حركتنا هو إضاعة للوقت وأنه يوصلنا الى يوم نرى فيه الأخطار تداهمنا ولا نستطيع دفعها، عندها نجيب بأننا جربنا كل الاستعدادات التي تستطيع التكتلات والمنظمات الحاضرة التي هي ليست إنقلابية أن تعطيها، فلم تتمكن من دفع الأخطار وحفظ سلامة البلاد. ولمسنا لمس اليد بالتجربة المرة المتكررة أن هذه الإستعدادات كانت واهية جداً وخادعة لأنها لم تقم على أساس الوعي والمسؤولية والجدية والإيمان والتجرد عن المصالح الخاصة، فكانت علاجات مخدرة لا أكثر، وكانت هي التي تأتي بالنكبات والخيانات. وعلى هذا أصبح وجود الحركة الصحيحة امراً وضرورة لا مفر منها ولو اقتضى الأمر أن ننتظر طويلا. فقد علمتنا الحوادث والتجارب أن الإرتجال لا يوصل الى النتائج المحمودة، وان بناء القضية العامة على أساس المصالح الشخصية لا يستطيع أن يحفظ هذه القضية، ويضمن لها النجاح، ولا بد من ان نسلك الطريق الطبيعي الذي سلكته جميع الأمم التي استطاعت أن تحيا حياة راقية متقدمة، وذلك ان تبنى القضية القومية على العقيدة الواعية التي تصهر الأفراد وتخلق منهم نواة صادقة لخدمة القضية العامة، وتخلق فيهم الفكر النير الذي يعرف كيف يسير ويتصرف، وكيف يشعر بجدية واجباته.
والشروط اللازمة للحركة الانقلابية تقوم على الوعي أولاً، وعلى الشعور بالمسؤولية ثانياً، وعلى الإيمان اخيراً. ولابد أن تتحقق هذه الشروط لكي تخلق الحركة الصحيحة، وكل عمل يستهتر بهذه الشروط أو ببعضها بحجة الإسراع، هو عمل متناقض وزائف، إذ ما الفائدة من السرعة إذا أوصلتنا الى النتائج القديمة نفسها ألا وهي عدم القدرة على مجابهة الأخطار... فالزمن الذي يصرف في تهيئة الشروط الأساسية ليس هو بالزمن الضائع، وان ما يحسبونه عقبة في الطريق ليس الا الطريق نفسه.
غير
أن تحقيق
هذه الشروط يجب
أن لا
يتطلب
زمناً
طويلاً،
لأن كل
العناصر موجودة
متوافرة
لإنماء
هذه الإمكانيات
في الجيل الجديد، فهو ليس جيلاً
تائهاً
في الصحراء، وانما هو ابن الوسط الذي يعيش فيه والأمة
التي ينتسب اليها. ففي كل عربي تكمن بذور الوعي والخلق والمسؤولية
والإيمان،
وكل المحاولات التي قمنا بها كانت بمثابة تجارب، ولم يبق
علينا
إلا
أن نخطو
الخطوة الأخيرة
ونستفيد
من الماضي. فعندما نقول
بأننا
نريد ان نخلق جيلا جديدا لا
نقصد باننا سنعلمه كل شيء بل نعني تنظيم ثقافته وتوجيهه
توجيها صحيحا. فنحن لن نخلق فيه الأخلاق
بل سننميها ونقويها، ولن
نخلق
فيه الإيمان
لأنه مؤمن
الإيمان
الرائج البسيط، بل نسعى الى ان نقوي فيه هذا الإيمان
ونجعله
أعمق من
الفورات الآنية.
فعمل الحركة الإنقلابية
ليس هو
بالعمل التطوري البطيء، ويجب
أن يزول
الوهم القائم في
أذهان
البعض
عن البعث العربي
بأنه حركة
بطيئة تشبه مدرسة.
|