عاصفة
ميشيل عفلق
1934
اعصفي يا رياح واهزئي بالسماء
من يكن ذا جناح هل يهاب الفضاء؟
عبس الغاب وادلهم، فما يبسم إلا عن الرعود البوارق
فمشى السر موغلا في ثناياه
مصونا من الدجى بفيالق
وتداعت جهم الغيوم ثقيلات حبالى
بشائبات الصواعق
ذعرت في الفلاة آمنة الوحش
فراحت تمشي كمشية سارق
وسرى الماء لائذا بحمى الظل
ملماً ببعضه
متعانق
أمعنت في الغناء قاصفات الرعود
ذاك ضحك القضاء من قيود العبيد
اعصفي، اعصفي، أيا ريح حتى
ترقصي من دويك الأجبالا
واضحكي، كم يثير ضحكك
عند الحشرات النواح والإعوالا
أوصدت وكرها الثعالب حسرى لابسات من ضعفها أغلالا
وانبرى الليث ناعم البال يمشي حاشدا تحت نابه الآجالا
ودعاك النسر: احمليني أيا ريح إلى حيث لا جناحٌ تعالى
اغسلي يا سيول زائف الأصباغ
السما كالطبول زمرت بالفراغ
يا سيول افتحي لنفسيَ مجرى أنا نهر حيران لم يلق بحرا
تهت عن غايتي ولكن تيهي
ينبت الخصب كلما حل قفرا
أنا برق في قوتي والتهابي
في وميض أحيا وأدفن عمرا
أنا ليلٌ يفنى اشتعالا وحبا
لتوشي دماؤه الحمرُ فجرا
أنا زهرٌ أطارت الريح أوراقي
فأفعمت واسع الجو عطرا
أعطشتني الرغاب فشربت النجوم
وحداني الشباب فامتطيت الغيوم
من ذرى هذه السحائب أرمي
فوق هام الورى رفيع ازدرائي
قدما في السماء أركز جذلان
وأخرى على جبين الفضاءِ
لم يعد لي في الأرض منزل حرٌ واسع مطلبي وعالٍ إبائي
أحرقت بيتي الصواعق لكن
غسلت لي قلبي بذوبِ الضياءِ
مزقت ثوبي الرياح ولكن
نسجت من دم الشموس ردائي
اعصفي يا رياح واهزئي بالسماء
من يكن ذا جناح هل يهاب الفضاء؟
نشرت
في مجلة الدهور، العدد 7، المجلد 3، أيلول 1934 - ومجلة الرسالة (القاهرة)،
العدد 118، المجلد 3، تشرين الأول
1935
|